بقلم: الطيب توهامي سيناريست.. مخرج.. ومنتج سمعي بصري التلفزيون الجزائري منذ سنتين يعاني من أزمة مالية بسبب التقشف وترشيد نفقات الدولة، غير أن القائمين على الإنتاج يجتهدون في توفير أفضل الصيغ الإنتاجية التي تمكن التلفزيون العمومي من إنتاج برامج ومسلسلات تلبي توجهات الجمهور بتكاليف أقل، مع الحفاظ على نسبة المشاهدة العالية للقناة الثالثة، رغم المنافسة الحادة والشرسة من طرف قنوات خاصة، ما فتئت تقدم الأفضل مع مرور سنوات التجربة. هذا العام، قدم لنا التلفزيون الجزائري مسلسل صمت الأبرياء الذي راهن عليه المشرفون لتقديم صورة مختلفة عن المسلسلات الدرامية المتتابعة التي أخرجها بشير سلامي التي سقطت في فخ النمطية. جاء المخرج المخضرم عمار تريباش ليقود دفة الإخراج، وفي ذهنه تحويل السيناريو التركي إلى عمل درامي جزائري الروح، بعيدا عن النمطية والتكرار. المسلسل هو إنتاج داخلي للتلفزيون، فمعظم التقنيين والفنيين من هذه المؤسسة التي أنجبت معظم الطاقات التي هي اليوم تشتغل سواء في التلفزيون أو لدى القنوات الخاصة. عمار تريباش كمخرج لديه بعض الأعمال الدرامية الناجحة، وأكبر دليل على ذلك مسلسل البذرة الذي لاقى رواجا في وقته. كنت أنتظر من هذا المخرج المخضرم أن يجد التوليفة المناسبة لكسب الرهان، والخروج من النمطية التي اعتدنا عليها. الصعوبة تكمن في اقتباس السيناريو وجزأرته، مع الحفاظ على عنصر التشويق الدائم طيلة الحلقات، وهي سمة متجذرة في أغلب السيناريوهات التركية. لم أشأ أن أكتب عن العمل الدرامي حتى انقضاء عشرين حلقة حتى أوفيه حقه ولا أظلمه. النتيجة جاءت عكس كل التوقعات. الدراما التركية معروفة باستقطاب المشاهد منذ أول حلقة، فعنصر التأزيم الدرامي قوي في السيناريوهات التركية، وهي الحقيقة التي لم نلمسها أبدا في عمل تريباش. رغم أن قصة الحب مشوقة، خصوصا مع وجود صراع عائلي طبقي، وتشابك في الأحداث بين الماضي والحاضر، إلا أن تقديم هذه القصة جاء هزيلا، والبناء الدرامي بدا مهلهلا منذ الحلقات الأولى، إلى درجة أن العمل أثار سخطا على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا من طرف فئة الشباب التي كانت كلها شغف لمشاهدة العمل. المتابع مثلا لنسبة المشاهدة على اليوتوب يدرك مقدار هذا الشغف، خصوصا في الحلقات الأولى حيث فاقت نسبة المشاهدة مئات الآلاف، لتبدأ هذه النسبة في التراجع مع مرور الوقت. السبب هو غياب عنصر التأزيم الدرامي والتشويق منذ البداية، إضافة إلى غياب لمسة إخراجية جديدة ومتجددة. عمار تريباش رغم خبرته الطويلة في مجال الإخراج وقدرته على إدارة الممثلين، لم يستطع هذه المرة من تقديم الإضافة. لم تكن هناك إدارة للممثلين بأتم معنى الكلمة، فهناك ابتذال وتكلف واضح للعيان في تقمص الأدوار، مع بعض الاستثناءات، فأداء تينهينان كان راقيا في اعتقادي، كذلك الفنان القدير عجايمي الذي قدم دورا مختلفا هذه المرة، وأبان عن مقدرته الفنية. نجح أيضا كمال رويني في تقمص شخصيته وبرع فيها، وتمكن نور الدين بوسوف من تحقيق أداء تلقائي متميز. عدا ذلك علق ممثلون كبار وشباب في شراك التكلف، فأداء صارة لعلامة كان نمطيا وكذلك خديجة مزيني فشلت في دورها رغم قدراتها الفنية الكبيرة، أما جمال عوان الشاب الصاعد فيبدو أنه كان تائها دراميا، أحيانا يقدم مشاهد جيدة وأحيانا يفشل. أنا هنا لا ألقي باللائمة على الممثلين، بل النقد كله يتحمله المخرج، فإدارة أداء الممثلين وتلقينهم الدور هي مسؤوليته بالدرجة الأولى. في اعتقادي أنه كان أجدى بالمخرج البحث عن ممثلة جديدة لدور البطولة، فصارة لعلامة كممثلة موهوبة ولها جمهورها وقعت في فخ النمطية في أعمالها السابقة ولم تستطع أن تتخلص منها، وهو الخطأ الأول الذي وقع فيه المخرج. القصة كانت بحاجة إلى لمسة إخراجية تجديدية لم يتمكن المخرج المخضرم عمار تريباش من بلوغها، فالتقطيع المشهدي كان كلاسيكيا جدا، وزوايا التصوير لم يكن فيها إبداع كبير. الديكورات والأكسيسوارات لم ترق هي الأخرى إلى مستوى القصة، وأظن أن الاختيار في السنوات الماضية كان أفضل. جودة الصورة، من وجهة نظري، لا يمكن مقارنتها بجودة الصورة في عاشور العاشر مثلا أو في مسلسل الخاوة، فهي لا تختلف عن الصورة الكلاسيكية التي يمكن أن نشاهدها في الأعمال البسيطة، رغم أن التلفزيون الجزائري يسخر كل إمكاناته التقنية واللوجسيتية لمثل هذا النوع من الأعمال، رغم الضائقة المالية التي يمر بها. ويمنح متسعا من الوقت لفريق الإنتاج كي يبدع في عمله، مقارنة ببعض الأعمال التي أنجزها الخواص في ظرف قياسي لا يتعدى الشهرين كأقصى تقدير. يتبع