تكشف المحطات الواسعة لحراك الدبلوماسية الجزائرية، من خلال الجولات الأخيرة لوزير الخارجية عبد القادر مساهل في منطقة الشرق الأوسط وكذا إقليميا، وبالرجوع الى الرسالة الأخيرة لرئيس الجمهورية التي بعثها الى الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.. العمل الكبير والجاد من طرف الخارجية الجزائرية لبعث نظرتها التوافقية في خضم ما تعرفه المنطقة من أزمات وانشقاقات، هذا ويرى متتبعون للشأن الخارجي الجزائري أن مواقف الدبلوماسية الجزائرية أكسب هذه الاخيرة منبرا تستطيع من خلاله ان تجمع جسور الحوار بين الأطراف المتضادة. * المحلل السياسي والأمني أحمد ميزاب ل "الحوار": براغماتية الدبلوماسية الجزائرية عنصر هام في المعادلة الدولية.. يرى الخبير الأمني والسياسي احمد ميزاب بأن المنهج البراغماتي الذي يرافق نظرة الدبلوماسية الجزائرية في معالجتها للقضايا والأزمات الحالية صنع منها مرجعا لكثير الدول، خاصة أن دول العالم الآن اصبحت تعرف تناقضات في مواقفها، بحكم الأجندات التي تخدمها، مضيفا أن الجزائر تعي جيدا حجم تداعيات وانعكاسات الأزمات التي تواجهها المنطقة، ومدى تأثيرها على واقع مفهوم الأمن الاجتماعي، وواقع مفهوم التنمية، الأمر الذي جعل من الآلة الدبلوماسية الجزائرية السعي من اجل صناعة الاستقرار الذي يعد الخطوة المهمة في بعث التنمية وبعث مسارات التنمية الاجتماعية، وذلك عن طريق منهجية مضبوطة وتوقيت حساس. هذا ويضيف المحلل احمد ميزاب ان الجزائر تدرك ان تداعيات الأزمة الخليجية لا تعرف حدودا، بل ستمتد الى غاية التأثير على الدول العربية الأخرى، مؤكدا انه، وبالرجوع إلى التقارير الدولية، والتي تتحدث عن حراك دبلوماسية عقلانية،عن حراك يحضى باحترام الجميع وبمسافة واحدة مع تطلعات الدول جميعا. وعن تطورات الازمة الخليجية الاخيرة، يرى ميزاب أن الدولة الجزائرية تسعى الى استرجاع منطق الحوار لمعالجة الأزمات والقضايا الشائكة بدل منطق العقاب ورفض الحوار مع الآخر وتحكيم العقل في مراجعة مواقف وقرارات الدول، الأمر الذي سينعكس سلبا على الأزمات الحالية في المنطقة، والتي ستزيد من صعوبة حلها، كملف الأزمة الليبية واليمنية، مشيرا الى ان الجزائر لطالما كانت تدعو الى رأد هذا الصدع ولمملة ما يمكن لملمته حتى تستطيع دول المنطقة ان تتفادى الصدمات المترتبة عن هذه الأزمات، والتي نستطيع أن نقول انها اكبر من ان تكون محصورة بين اربع او خمس دول. وفي انفراد الدبلوماسية الجزائرية بقراراتها الدولية الحاسمة، اكد الاستاذ ميزاب أن الجزائر لا تميل الكفة لأي جهة من الجهات، او تغليب طرف على حساب اخر، وإنما هي تسعى إلى الحفاظ على ذات العلاقات وذات الثوابت والروابط مع الجميع، قارئة تداعيات وأبعاد الأزمة، ومن منطلق ذلك تتحرك مع الجميع، وفق منظور موحد، معتبرا الاديولوجية الجزائرية في التعامل مع هكذا مواقف سمح لها أن تكون وسيطا في العديد من القضايا العالقة والشائكة، وهذا ما تدركه الجزائر، الا ان الوقوف في المنتصف سيواجه العديد من المشاكل والأخطار والتي من بينها انها ستدمر البيت العربي وستؤثر عليه سلبا وعلى استقراره، والذي من شأنه ان تؤثر على مستقبل المنطقة، ودليل ذلك ما مثلته جولات وزير الخارجية عبد القادر مساهل لكل من مصر والمملكة العربية السعودية والتجاوب الايجابي من طرف قادة تلك الدول، وهو مؤشر مطمئن على قيمة تأثير القرار السياسي الخارجي، الامر الذي يمنح الأفضلية للجزائر في هذا السياق. وهذا السياق انها تتحرك وفق اطر توافقية مقارنة مع وساطات بعض الدول.
* الخبير الدبلوماسي الدولي فريد بن يحيى ل "الحوار": التدخلات الخليجية في شؤون بعضها أفقد المنطقة وزنها الحقيقي اكد الخبير الدبلوماسي فريد بن يحيى ان الحراك الدبلوماسي الجزائري الاخير في منطقة الشرق الاوسط والخليج العربي يأتي في ظل إنجازات عديدة حققتها الآلة الدبلوماسية إقليميا ودوليا مؤخرا، خاصة ما شهده ملف الأزمة الليبية وبيان باريس الاخير الذي يأتي نتيجة عن اتفاق الصخيرات، والتي اخذته فرنسا بعين الاعتبار بعد ان فرضت الجزائر نفسها وأدت دورها الدولي المؤثر في الاجتماع الأول، ما تمخض عنه اتفاق بيان باريس بين حفتر والسراج. وفي حديثه عن تطورات الأزمة الخليجية بالموازاة مع جولات الخارجية الجزائرية في المنطقة، اكد فريد بن يحيى ان الحل الخليجي يكمن في الممكلة العربية السعودية، والذي كان عليها ان تفرض وجودها في المنطقة بدل الذهاب الى حالة الجمود التي تعرفها اقليميا، مشيرا الى انه كان على السياسيين السعوديين تقدير الاوضاع السياسية جيدا بدل الخوض في صراعات تضر بالمنطقة وجيرانها بدل الخوض في المسائل والشؤون الداخلية لبعض الدول، ويشير في ذات السياق الى ان طريقة التعامل الدبلوماسية الجزائرية من خلال موقفها الداعي الى طاولة الحوار لكافة الدول الداعي الى التقارب بين كافة الدول بلا استثناء، مضيفا ان ادعاءات بعض الدول في عدم التعامل مع ايران، وهو البلد الجار لمختلف الدول الخليجية في المنطقة، باب من عامل التناقض في مواقف الدول، والذي يزيد من شرخ الأزمة. في جانب اخر وحول الحديث الدائر عن التعامل الثنائي والتنسيق بين دول الخليج وإيران، اكد الدبلوماسي بن يحيى ان هناك امرين لا ثالث لهما، الاول متعلق بالتقارب بين الممكلة العربية السعودية وإيران في المنطقة، ما يشكل بعدا اخر من العلاقات بعيدا عن النعوت والأحكام المسبقة والسياسات الإقصائية، وهذا ما يجب على الجزائر فعله بحنكتها الدبلوماسية، وكذلك الامر لتركيا، اما بالنسبة للنقطة الثانية فهي المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والذي يرى ان الحل النهائي يكمن في حل الدولتين، والذي ان لم يكن فإن المنطقة بحد ذاتها ستشهد نزاعات مستقبلية اخرى.