فتح ملف استغلال الغاز الصخري الذي أقرته الحكومة على لسان الوزير الأول احمد اويحيى، لتدارك الوضعية الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، المجال مجددا للخوض في نقاش عميق حول المسألة لدى الرأي العام والخاص، ولدى أيضا الطبقة السياسية والفاعلين في المجال، حيث بالرغم من الانقسام في الرأي والتصورات بين هذه الفئات إلا أنها تتفق على ضرورة فتح الملف للنقاش بإشراك جميع الأطراف المعنية، خاصة الخبراء وباقي الأطراف الأخرى من اجل الوصول إلى توافق وطني لاتخاذ قرار مشترك لتفادي الأصوات المناهضة للبرنامج، خاصة أنه فور الإعلان عن القرار شنت أطراف مجهولة "حملة فايسبوكية" مناهضة. وفي هذا الصدد، أشار القيادي والبرلماني البارز عن حزب العمال رمضان تعزيبت، الى موقف تشكيلته الحزبية حول ملف الغاز الصخري، مؤكدا قناعة الحزب على ضرورة ضبط قانون يسمح لمجمع سوناطرك استكشاف وإجراء تجارب على الغاز الصخري وليس فتح الأبواب على الشركات الأجنبية.
الحكومة مدعوة لتقديم المزيد من الضمانات وقال تعزيبت في حديثه مع "الحوار" في اتصال هاتفي، مبدئيا حزب العمال بكل استقلالية لا يرى أي مانع في استغلال الغاز الصخري، بالرغم من أن عملية استكشافه تتطلب إمكانات معتبرة وكفاءات، شريطة أن تقدم الحكومة المزيد من الضمانات فيما يخص انعكاساتها على البيئة والموارد المائية، وعليه فإن التحكم في المصادر الطاقوية ضرورة لضمان الأمن الطاقوي، وهذا لا يكون إلا عن طريق مؤسسات الدولة وبضمانات جزائرية مائة بالمائة، يضيف المتحدث، موضحا بالمقابل النتائج الوخيمة في حال إن ما تم استغلال هذا المصدر الطاقوي بمؤسسات أجنبية التي تهدد السيادة الاقتصادية للبلاد، التي لا بد عليها أن تحافظ على هذا المكسب الوطني الذي هو في حقيقة الأمر يعد في الأصل مكسب الشعب برمته، في إشارة منه إلى تصريحات الوزير الأول الداعية إلى إعادة النظر في قانون المحروقات. من جهته، دعا الأمين العام لحركة النهضة محمد ذويبي، إلى وضع ملف الغاز الصخري محل نقاش وطني مبني على الشفافية والنزهة، ويضم خبراء في المجال، لدراسة الملف بدقة، والأخذ بآرائهم بعيدا عن الاستغلال السياسي. وأضاف المتحدث ل "الحوار"، بالقول إن ملف الغاز الصخري طغى عليه الجانب السياسي أكثر منه العلمي، وعليه فتح نقاش مع الخبراء لاتخاذ القرار معهم بناء على الواقع "ضروري"، موضحا في السياق الأسباب الرئيسية التي كانت وراء حالة الواقع الاقتصادي العسير الذي وصلت إليه الجزائر، مشيرا إلى السياسات الفاشلة التي انتهجتها السلطات العليا في تسيير المنظومة الاقتصادية. وربط ذويبي الواقع الاقتصادي للبلاد بعوامل أخرى في مقدمتها قلة الموارد نتيجة تهاوي أسعار البترول، ويضاف إليها قلة الإنتاج المحلي وإلى جانبهما ارتفاع الاستهلاك الداخلي من الطاقة. أما بالنسبة لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الارسيدي، فقالت البرلمانية فظة سادات إن قرار الحكومة اللجوء إلى استغلال الغاز الصخري ترجمة حقيقية عن واقع فشل السلطة ومواصلتها في سياسة الهروب إلى الأمام لضمان ديمومتها في الحكم، مشيرة في السياق إلى أن وسيلة استغلال الغاز الصخري لن تكون ناجعة بالنظر إلى التكلفة العالية التي ستخصص لاستكشاف هذا المصدر الطاقوي وأيضا آثارها السلبية على المحيط والبيئة. وأضافت المتحدثة في اتصال هاتفي مع "الحوار"، إن القرار المغزى منه هو محاولة ربح المزيد من الوقت في الحكم دون الأخذ بعين الاعتبار احتياجات الشعب والبلاد، غير أنها تشاطر اقتراح فتح نقاش وطني حول الموضوع بإشراك كل الفاعلين في المجال من اجل اتخاذ قرار مشترك، إلا أنها ترى بالمقابل أن استغلال الغاز الصخري في الوقت الراهن ليس بالحل الناجع، بالنظر إلى شح الموارد ونقص الكفاءات في المجال.
جمع كل الفاعلين والخبرات الوطنية أما جبهة القوى الاشتراكية الأفافاس، فقد قال أمينها العام محمد حاج جيلاني، لا بد ان يكون قرار استغلال الغاز الصخري في إطار إجماع وطني يجمع كل الفاعلين والخبرات الوطنية، وإلى جانبهم الطبقة السياسية، لمناقشة ودراسة الملف من كل جوانبه للخروج بقرار مشترك، مشيرا إلى الخطوة التي أقدم عليها حزب الراحل الدا الحسين في السنوات القليلة الماضية حيث نظم في تلك الفترة ندوة وطنية لمناقشة ملف الغاز الصخري بحضور خبراء في المجال إذ خرجوا باقتراحات أرسلت إلى الجهات المعنية والسلطات العليا للبلاد، غير أن سياسة إدارة الظهر هي اللغة المتقنة من طرف السلطات. وعرج المتحدث في حديثه مع "الحوار" إلى تصريحات الوزير الأول احمد اويحيى فيما يخص إعادة النظر في قانون المحروقات حيث أكد هذا الأخير أن ما كان هذا التعديل الغرض منه هو فتح الشركات السيادية، فهو أمر مرفوض وغير مقبول، كون الثروة الطبيعية هي ملك الشعب برمته -يقول المتحدث. أما حركة مجتمع السلم حمس، فقد قالت "سبق أن رفضنا هذا التوجّه إلى الغاز الصّخري، لما ينطوي عليه من تكلفةٍ باهضةٍ على مستوى المياه الجوفية والخطر على البيئة والإنسان، وأن تكلفة التنقيب عليه واستخراجه أكبر من مداخيله، وهو ما لا تتحمّله "النفقات العمومية"، وأضافت الحركة على لسان رئيس كتلتها البرلمانية ناصر حمدادوش، استغلال الغاز الصخري يتطّلب تقنية عالية، وتكلفة مالية كبيرة، مع نتائج غير مضمونة، والعالَم يتّجه إلى الطاقات البديلة، الآمنة والصّديقة للإنسان وللبيئة" إنّ مثل هذه الخيارات الفوقية، دون ضمان نصاب نجاحها شعبيًّا ستلقى نفس المصير في فشل السياسات والبرامج التي لا تحوز على توافق وطني حولها، وتدفع إلى المزيد من الاحتقان والتوتر الشعبي، وأضاف المتحدث أن هذا التوجّه إلى الغاز الصّخري بالرغم من حجم الرّفض الشعبي والسياسي له سابقا ولاحقا، يدلّ أنّ هذه الحكومة تبحث دائما عن الحلول السّهلة، ولا تجد ملاذًا إلا إلى الريع الطاقوي، لضمان نصاب البقاء في الحكم، ولو على حساب الاستقرار، ونحن لسنا ضدّ ثروة "الغاز الصّخري" من حيث المبدأ، إن كانت هناك جدوى حقيقية منه، ولكنْ ليس على حساب حقوق الأجيال، وعلى حساب باقي الثروات الأخرى، موضحا في السياق أنّ الذهاب إلى الغاز الصّخري "مغامرةٌ" أخرى غير محمودة العواقب، وأنّ المعارضة الشعبية لهذا التوجّه ستعقّد من هذه المهمة، وستكون تكلفته باهضة على مستوى الاستقرار، وهي معارضةٌ بيئيةٌ وصحّية تنتفي عنها "الأغراض الحزبية"، وسوف لن يكون هذا "الرّفض" خاصًّا بسكّان الجنوب فقط، بل هو رفضٌ وطنيٌّ وشعبيٌّ يهمّ كلّ الجزائريين. ومن الناحية الاقتصادية، قال الخبير الاقتصادي عمر هارون إن عملية استخراج الغاز الصخري معقدة ومكلفة جدا مقارنة مع نظيره التقليدي، وارتفاع تكلفة الاستغلال جعل العديد من الآبار في الولاياتالمتحدةالأمريكية التي كانت سباقة لاستخراج هذا النوع من المواد الطاقوية تتوقف عن العمل، لأن أسعارها أصبحت غير تنافسية في السوق.
هذا هو احتياطي الجزائر من الغاز الصخري وأضاف المتحدث أن الجزائر تملك حسب آخر التقديرات الدولية، نحو 20 تريليون متر مكعب (706 تريليون قدم مكعب) و7،5 مليار برميل من الغاز والنفط الصخريين (على التوالي) الذي يمكن تقنياً استخلاصه. وهذا يمثّل موارد جديدة محتملة، وتأتي الجزائر في المرتبة الثالثة عالميا حيث تحتل الصين المرتبة الأولى ب 1115 تليون قدم مكعب، أرقام تبقى أولية خاصة على مستوى السوق الجزائرية، لأن الحفريات الاستكشافية التي قامت بها الجزائر في أرض الميدان توقفت أواخر 2015 وبداية 2016. وأكد الخبير ل "الحوار" أن استغلال الغاز الصخري ليس محكوما برغبة الوزير الأول في حد ذاته، بل بتطلعات السوق العالمية التي بلغت فيها أسعار المحروقات أدنى مستويات لها في السنوات الأخيرة، ويبقى سعر المحروقات تحت المستوى المطلوب، خاصة أن الغاز الصخري الجزائري حسب تقديرات الخبراء يكلف 3 مرات أكثر من الغاز الصخري الأمريكي، وهو ما يعني ارتفاع تكلفة المتر المكعب للغاز وبرميل النفط الصخري، حيث أن برميل النفط العادي يكلف في الجزائر 20.4 دولار (7.2 دولار تكلفة تشغيلية – 13.2 دولار تكلفة رأس مالية) في مقابل نظيره الصخري الذي يكلف على الأقل 50 دولارا للبرميل حسب المنظمة الدولية للطاقة، إن الحل الأنجع للحكومة الجزائرية اليوم هو التوجه نحو توليد الطاقة الكهربائية باستعمال الطاقات المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية، لأن ضعف التصدير من المواد الطاقوية الجزائرية يرجع بالأساس لارتفاع الاستهلال المحلي، حيث أن الجزائر تولد ما يعاد 98% من الكهرباء بواسطة توربينات تعمل بالغاز الطبيعي، وهي تسجل استهلاكا متصاعدا من سنة لأخرى حيث سجل في 11 جويلية الماضي على الساعة 15:30 رقما قياسيا جديدا في استهلاك الكهرباء على المستوى الوطني قدر ب 13227 ميغا واط. فالكميات المهولة المستخدمة في إنتاج الكهرباء يمكن تحويلها للتصدير إن تم العمل على تطوير آليات إنتاج الكهرباء من خلال الطاقات المتجددة، وهذا ما يغني الجزائر عن استغلال الغاز الصخري الذي تعتبر تكلفة البيئة أكبر بكثير من تكلفة الاستغلال، لأن أهم مخاطره هو المواد الكيمياوية الخطيرة التي تستخدم في تفتيت الصخور لاستخراج الغاز والتي قد تتسرب إلى المياه الباطنية في الصحراء المتشكلة في خزان واحد، مما يجعل أي تلوث يمس الماء في الصحراء قادرا على تلويث كل ما تملكه الجزائر من احتياطات مائية، وهو ما يعد كارثة بيئية بكل ما للكلمة من معنى، يضيفهارون.
وجوب وضع آليات جذابة لاستقطاب الشركات الأجنبية وتبقى –حسبه- تطوير إمكانات شركة سونطراك في إنتاج الغاز والبترول الصخري قضية منفصلة عن إنتاجه في الجزائر، لأن الشركة الجزائرية قادرة على المشاركة في استخراج هذه المادة في دول أخرى، ولهذا نثمن أي توجه نحو تطوير ورفع أداء الشركة في هذا المجال، لكن يبقى استغلاله في الجزائر مرتبطا بقدرتنا على التأكد من غياب الآثار البيئية المدمرة التي قد تنجر عنه، وهو ما سيكون ضد مبدأ التنمية المستدامة التي أقرت في برنامج رئيس الجمهورية. أما بالنسبة للخبير الاقتصادي كمال رزيق، فكان موقفه واضحا في الملف، حيث ثمن خطوة الحكومة في إعادة بعث الروح مجددا في المجال، معتبرا الخطوة بالفرصة التي لا تعوض، داعيا بالمقابل إلى ضرورة ترك المجال للاستفادة من هذا المصدر الطاقوي الجد هام في الأمن الطاقوي، كما أشار في الوقت نفسه إلى وجوب وضع آليات جديدة وجذابة لاستقطاب الشركات الأجنبية للاستثمار في المجال في إطار عقود الشراكة لضمان التقنيات والتموين المالي، خاصة أن الظرف الاقتصادي الحالي يستدعي هذا التوجه لسد العجز المالي لشركة سوناطرك التي ضخت كل أموالها في الصناعات البيتروكميائية، يقول رزيق في حديثه مع "الحوار". جمال مناس