في حوارنا مع الكاتبة الراقية، السعودية أميمة التميمي، أخذتنا في رحلة ساحرة لنعيش طقوس رمضان في بلدين غنيان بتراثهما "مصر" و"أرض الحرمين الشريفين"، حيث كان لها مع كل منهما قصة خلّدتها الذاكرة، وكأنها تعزف لنا بكلمات عذبة موسيقى تصويرية لطفلة تلهو في مسرح البراءة والجمال الصبياني، لتجعلنا نرى عن قرب كيف يحتفل كل بلد من هاذين البلدين اللذين عاشت بهما، كونها من أب سعودي كان دبلوماسيا معروفا، أسس شجر النسب للأسرة الحاكمة وقتها، وأم مصرية كانت تمضي معها رمضان، كونه يزامن الإجازة الصيفية وقتها. – بداية لو عدنا بك إلى ذكريات الطفولة ورمضان، ماهو أبرز ما يمكن أن تتذكريه؟ رمضان بالنسبة لي له خصوصيته ومباهجه وذكرياته الحلوة، والفرحة بقدومه تبقى محفورة في جدران الذاكرة ولا تكاد تفارقها، وأبرز ما أذكره هو تسابق الناس فيما بينهم إلى التهنئة الخالصة ببلوغه عبر الاتصالات الهاتفية، حيث دخوله يعني الطمأنينة والتآلف والروحانيات التي تميزه عن باقي أشهر السنة، كما أذكر الاستعدادات المبكرة لاستقباله، وكان يرتبط بالتلاحم الأسري واللمة العائلية التي تجمع كبيرنا مع صغيرنا على مائدتي الإفطار والسحور يومياً. رمضان الطفولة هو الشهر الأجمل والأروع بكل تفاصيله وشعائره، وأهم ما يميزه وقتها هو فانوس رمضان وصوت مدفع الإفطار الذي لم يخفني على الرغم من شدته، بل كان يلقي بظلال سعادة غامرة عند إعلانه "مدفع الإفطار… اضرب".
-بين تركيا ومصر والسعودية تفاصيل قصة عاشتها أميمة، ماهي العادات التي كنتم كأسرة تتبعونها في رمضان؟ في مرحلة الطفولة والمدرسة، أذكر رمضان في مصر، حيث كان يتلازم مع بداية الإجازة الصيفية، فكنا نقضيه في مصر مع عائلة أمي، فكانت له علامات رسخت في ذهني حتى الآن، فأذكر على الفور أحلى أغنية تعلن قدومه "رمضان جانا وفرحنا به بعد غيابه… أهلاً رمضان". وبالنسبة لي كانت له نكهته الخاصة التي امتزجت فيها العادات المصرية من فانوس رمضان والزينة المعلقة في الشوارع بين المباني، وياميش رمضان "المكسرات والفواكه المجففة" والكنافة بأنواعها والقطايف، والعصائر المحضرة في المنزل من قمر الدين، العرقسوس، الكركديه، التمر هندي والخروب، وكل هذا محلى بالنكهة السعودية التي تستهل الفطور بالقهوة العربية والتمر، وتضفي السمبوسة بإبداع حشواتها وتنوعها على عرش السفرة. وأهم ما كان يميز عائلتنا هو اجتماعنا أمام شاشة التلفزيون لمتابعة فوازير رمضان وتسابقنا لإيجاد الحل، وبعد صلاة التراويح تبدأ الزيارات الاجتماعية والعائلية لنبقي الألفة والترابط فيما بيننا.
– لو تحدثنا عن العادات السعودية في رمضان، ما الذي يميز هذا الشهر عندكم عن باقي الدول؟ نحرص كمجتمع سعودي كجميع المجتمعات الإسلامية على إحياء شهر الخير والكرم بالتراحم والتواصل الاجتماعي وسط أجواء روحانية تلقي بظلالها على مختلف مظاهر الحياة. تزدان مدننا بأبهى حللها، فتتوهج شوارعنا ومراكزنا التجارية وواجهات المطاعم بالأهلة والنجمات المشعة والفوانيس المضاءة، كما تشهد أسواقنا ازدحاماً ينقطع نظيره عن باقي أشهر السنة، حيث يزدهر بيع الفوانيس والبخور وزينة رمضان، وتقوم الأسر بشراء الأواني المنزلية الجديدة ليتم تدشين استخدامها في أول يوم رمضان، لكن من أجمل ما تراه العين هم الشباب الذين يقومون بتوزيع وجبات إفطار خفيفة وقوارير المياه عند إشارات المرور في الطرق الرئيسية قبل ووقت موعد الإفطار. بالتأكيد هناك عادات اندثرت مع الزمن، لكن هناك عادة جميلة مازالت عالقة عند البعض، وهي تبخير أكواب الماء بالمستكة وقلبها لتحتفظ بالرائحة إلى وقت الإفطار. عادة الإفطار يبدأ " بفكوك الريق"، وهو أن نفطر أولاً على تمر وقهوة عربية أو تمر مع لبن، ونقوم بتأدية صلاة المغرب، وبعدها تزين السفرة على الأقل بنوعين من الشوربة وسمبوسة بحشوات مختلفة من اللحم والجبن وصحن سلطة مختلف كل يوم، والأغلبية يتركون الوجبة الرئيسية إلى ما بعد صلاة العشاء والتراويح.
– أميمة هل تتذكرين أول يوم أديت فيه فريضة الصيام؟ قد لا أذكر اليوم تحديداً، لكني أتذكر التدريج في الصيام، حيث كانت والدتي -رحمها الله- تشجعني على الصيام عندما كنت في السابعة، وكنت أصوم حتى أذان الظهر، لتمتد بعدها إلى العصر، ولم أكمل الشهر كله إلا عندما بلغت الثانية عشر.
-الكثير من الأطفال يتعاملون مع مسألة الصوم بشكل طريف، هل حدثت لك مواقف طريفة في هذا الشهر وأنت طفلة؟ كطفلة كنت آكل فقط عندما يغصبون علي، فالصيام عن الطعام في رمضان لم يكن صعباً لكني كنت أصوم عن الكلام فأبقى صامتة وأبقي فمي مغلقاً حتى لا أهدر طاقتي وأشعر بالجوع، فكنت أحتفظ بلعابي في فمي وأبلعه مرة واحدة ليروي عطشي.
_لباس العيد ما الذي كان يعنيه لأميمة وهي طفلة؟ ملابس العيد لها ذكرى خاصة لا أنساها، لم تكن أمي تفرضها علي بل عودتني منذ صغري أن أختارها معها حرصاً منها على أن يكون لي ذوقي الخاص المميز والأنيق. كانت ملابس العيد تمثل ذروة السعادة والبهجة، بالإضافة إلى الفخر لأنني ساهمت في انتقائها، وكنت أترقب ليلة العيد وأنتظرها بشوق لأفرد ملابسي على السرير بجانبي وحذائي على الأرض، والأهم هي الحقيبة الصغيرة التي سوف أجمع فيها العيديات.
– هل تسعين اليوم أن تنقلين العادات والتقاليد المتعلقة برمضان إلى أبنائك؟ هناك عادات اندثرت، ولكن يبقى بعضها يتوارث عبر الزمن، ففي منزلي نستعد بإضفاء اللمسات الرمضانية بفوانيس كبيرة مضاءة بالكهرباء، وركن رمضاني بوساداته الملونة واكسسواراته وطاولته النحاسية وما لذ وطاب من أنواع التمور والحلويات، وتظل الجلابية لباسنا طيلة الشهر المبارك. من عادات أسرتي في رمضان هو إعداد " اللحوح" وهو مشابه للكريب لكن بنكهة سعودية بالهيل والسمن البري ويرش فوقه السكر البودرة بالهيل، انتقلت هذه العادة لابنتي تالية، حيث تحضرها يومياً بناء على طلب أختها الصغيرة تمار، وهذا ما يحرصن بناتي عليه في وقتنا هذا، ومع أني متأكدة أن العادات قد تبلى وتتلاشى مع الأزمان لكن سيظل ويبقى منها، بل ويتوارث ما كان له أثر طيب في نفوسهم وذكريات جميلة في أعماقهم. حاورتها: سارة بانة