أسعار الفنادق يحددها العامل الاقتصادي الطبخ الجزائري في أدنى مستوياته الصناعة التقليدية هي القاعدة الحقيقية لإبراز تاريخنا لو تم عصرنة قصبة الجزائر ستستقطب مليوني سائح لوحدها حاورته: هجيرة بن سالم أكد الرئيس المدير العام للمجمع العمومي "أش تي تي"، لزهر بونافع، في الجزء الأخير من حديثه مع "الحوار" أن المنتوج السياحي المحلي الذي جدر التركيز عليه للمساهمة في الدفع بقطاع السياحة كصناعة حقيقية تساهم في بناء الاقتصاد الوطني هو سياحة الذاكرة من خلال الترويج لتاريخ الجزائر عبر كافة مراحله، مضيفا أن القاعدة الأساسية لذلك هي الصناعات التقليدية التي يتم التعريف بها للسائح الأجنبي وعن تاريخها وأمور أخرى تقرؤونها في الحوار التالي. * معظم الجزائريين الذين يختارون وجهات سياحية أجنبية يرجعون ذلك إلى ارتفاع تكاليف الفنادق والخدمات في الجزائر، ما تعليقك؟ – قضية الأسعار واضحة، فهي سوق يحددها العرض والطلب، ومن الخطأ الفادح المقارنة بين الجزائر والدول المجاورة، فالأسعار يحددها العامل الاقتصادي، وعلى سبيل المثال في الجزائر 100 أورو تعادل 22 ألف دينار في السوق الموازية و14 ألف دينار في البنك، أما في تونس ما تعادله فيغطي حاجيات شهرين، والمغرب كذلك إذ تعادل100 أورو، 1800 درهم ما يكفي لسد حاجيات أشهر، أما في الجزائر ف22 ألف دينار لا تكفي لتغطية تكاليف غرفة لليلة واحدة في فندق خمس نجوم، ولهذا فالعامل الاقتصادي مهم جدا في قضية الأسعار، أضيف لك مثالا آخر فيما يخص اللحم في تونس سعره لا يتجاوز 3 دينار أي 350 دينار جزائري وفي الجزائر ثمن الكيلوغرام من اللحم هو 1500 دج، يعني أن في الجزائر تشتري كيلوغراما وفي تونس 4 كغ، العامل الاقتصادي ومستوى قيمة الدينار هو ما يتحكم في صنع تلك المفارقة بيننا وبين الدول المجاورة، لكن الجزائر تبقى غالية بمناظرها وتونس "رخيسة بدراهمها"، لأنه منذ 1964 لم يعرف الدينار التونسي أي انحراف إلى غاية 2008، ومن جهة أخرى الغرفة تتعدد لوازمها ومتطلباتها من عاملة نظافة التي يصل راتبها إلى 35 ألف دينار بالإضافة إلى لوازم التنظيف، أما من ناحية الخضر فأسعارها أيضا تتحكم في تحديد سعر الخدمات في الفنادق والمطاعم، فمثلا سعر الكيلوغرام الواحد من البطاطا هو 100 كغ، أما في تونس فيصل تقريبا إلى 20 دج، يمكن القول أن أسعار الخضر والفواكه مرتفعة نوعا ما في الجزائر مقارنة بالدول المجاورة، نفس الأمر فيما يتعلق بالمواصلات، وكل هذه الأمور تؤثر على سعر الغرف والخدمات. * حتى لو كانت الأسعار يحددها العامل الاقتصادي، لكن نجد في الدول المجاورة أن التسعيرة تختلف ولا تبقى واحدة في كل المواسم عكس ما نجده في الجزائر؟ – صحيح، لكن تغيير التسعيرة يحدث حين يكون التنافس وهذا الأمر لن يتواجد إلا بتوفر طاقة استيعاب كبيرة، وسنحققها آفاق 2020 حين نصل إلى توفير 250 ألف سرير، ورغم ذلك هذا لا ينفي أننا قمنا بمجهود كبير فيما يتعلق بقضية الأسعار فقد وصلنا إلى توفير غرفة ب450 ألف في الأندلسيات بنصف إقامة، وفي فندق مازافران ب 580 ألف لجناح بنصف إقامة، كما قمنا بتوفير إقامة ب 42 ألف دينار لمدة أسبوع في مازافران بالقرب من الشاطئ. * في رأيك، ما هو المنتوج السياحي المحلي الذي يجب الاستثمار فيه والترويج له جيدا لاستقطاب أكبر عدد ممكن من السياح؟ – بداية الجزائر تتمتع بأمن واستقرار كبيرين وهذا عامل جد إيجابي في عملية جذب السياح كما أن قطاع السياحة يتطلب أن ينظم على المستوى المحلي قبل كل شيء، فكل ولاية لها فنانوها ومثقفوها وتاريخها، لكن أكثر ما يجب التركيز عليه هو لا بد من استحداث سياحة الذاكرة، إذ من الضروري إعطاء الجانب الإنساني والإرادي لثورتنا المجيدة وجانبها الفعال وترويجه للسائح الأجنبي، يمكنني القول أن الثورة التحريرية لوحدها منتوج سياحي، زيادة على كل الحضارات الموجودة في الجزائر، ولهذا لا بد من إبراز هذا التاريخ المجيد فكل الثروة السياحية موجودة في تاريخنا، وعيب كبير أن نتحدث على تاريخنا فقط ابتداء من 1830، فالجزائر مرت بثلاث حضارات من الرومانية والإغريقية والبربرية، بإمكاننا تطوير هذا المجال ليخدم قطاع السياحة وهذا من خلال مساهمة المؤرخين الجزائريين في إبراز الحقائق التاريخية للبلاد والتعريف بها للسائح الأجنبي، فمعظم السياح الأجانب يزورون الجزائر لاكتشاف تاريخها وحضاراتها، فكل ولاية تزخر بذاكرة تاريخية واليوم بإمكان تاريخ الجزائر أن يعطي دفعا قويا للسياحة في الجزائر، لكن للأسف لم يأخذ هذا الأخير حقه اللازم في ترقية القطاع والمساهمة في تطويره والإقلاع به. * لو ننتقل للحديث عن المطاعم، وبالتحديد عن مستوى كل ما يطبخ في الجزائر من الأطباق البسيطة أو المتوسطة أو العالية، فهل ترقى هذه الأخيرة إلى الأكلات العالمية؟ – يمكن القول أن الطبخ في المطاعم الجزائرية في أدنى مستوياته، فرغم أهميته إذ يجب توفيره على ثلاث مراحل في اليوم، ورغم أن طبخنا يزخر بكل الأنواع والميزات إلا أنه لا ينافس الأطباق العالمية، هذا راجع من جهة إلى نقص التكوين ومن جهة أخرى إلى غياب الترويج له من خلال إبراز تفاصيله والعودة إلى تاريخه، فعلى سبيل المثال نجد العديد من الحلويات الجزائرية اليوم تنسبها دول أخرى لنفسها وهذا يرجع إلى عدم التأريخ لها، لذلك فهناك تفاصيل لا بد من إبرازها في الأكلات الجزائرية بهدف تصنيفه كتراث عالمي آفاق 2030. * على ذكر مخطط 2030، لو تبرز لنا النقائص المسجلة حاليا والتي يجب تداركها حتى يمكن تحقيقها في آفاق 2030؟ – من ناحية طاقة الاستيعاب سنكون في المستوى المطلوب، وفيما يتعلق بمسألة التكوين فإذا لم يتم التركيز على هذا الأمر إلى غاية 2020 يستحيل أن يرتفع مستوى الخدمات يتم تحسينها حسب البرنامج المسطر في مخطط سنة 2030، أما بخصوص الطبخ الجزائري فالمادة موجودة لكن لا بد من تصنيفها وإعطائها الجانب العلمي، نفس الأمر بالنسبة إلى التاريخ فهو موجود لكن يتعين الحديث عنه وإعطائه الجانب السياحي، ومن جانب رقمنة القطاع والسياحة الإلكترونية فلا يستحيل للجزائر التي كونت اليوم 60 ألف مهندس إعلام آلي والمتواجدين في كندا أن ترتقي بهاتين العمليتين في قطاع السياحة. * الوكالات السياحية هي الأخرى بإمكانها المساهمة كثيرا في الإقلاع بقطاع السياحة وجعله صناعة حقيقية، فهل في رأيك تؤدي هذه الوكالات وظيفتها على أكمل وجه؟ – الوكالات السياحية من ناحية الكم عددها يزيد عن 2500 وكالة وهذا أمر جيد، وإذا تم تأطيرها وتنظيمها سيكون ذلك في صالح الاقتصاد الوطني والصناعة السياحية، وعليه يمكن القول أن القضية ليست نقص إمكانيات بل تنظيمها فقط وفتح المجال للخبراء، وقولي خبراء لا يعني أن كل من عمل في القطاع يعتبر خبيرا فالخبير من له نظرية علمية وسياحية ومؤلف كتب متعلقة بالقطاع وله نظرة استشرافية، فالخبير ليس من عمل في تسيير فندق أو مطعم وللأسف الجزائر تفتقر للخبراء في قطاع السياحة. * الصناعات التقليدية أيضا تعاني غياب التأطير والتنظيم، في رأيك كيف يمكن استغلال هذه الأخيرة لتكون إضافة قوية لقطاع السياحة؟ – في برنامج رئيس الجمهورية بدأت تتجلى على أرض الواقع نتائجه المتعلقة بمضاعفة طاقة الاستيعاب من خلال مشاريع الفندقة التي ستصل طاقة الإيواء من خلالها إلى 250 ألف كما سبق وذكرت، وفيما يتعلق بالصناعات التقليدية فقد حققت الجزائر كثيرا في هذا الشأن إذ يوجد 300 ألف مؤسسة صناعة تقليدية وهذا رقم هائل، فعبر كل الولايات موجودة، فالصناعة التقليدية هي القاعدة الحقيقية من أجل إبراز تاريخ الجزائر ولا بد على المؤرخين الاهتمام بها وبمراحل الحضارات التي مرت بها، الصناعات موجودة لكنها غير مصنفة عبر الحضارات والسائح اليوم تقدم له تلك الصناعة لكن لا يتم تقديم تاريخها معها، وأضيف أن بنك الصناعة التقليدية اليوم أخذ خطوة كبيرة لكن ما يفتقر له هو تصنيف هذه المواد عبر المراحل والحضارات التي مرت عليها وهنا لا بد من وجود خبراء يعملون على هذا الأمر. – الحديث عن التاريخ قد يقودنا للحديث عن المرشد السياحي ومستواه في أداء هذه الوظيفة على أكمل وجه من ناحية التعريف بتاريخ المناطق السياحية وإبرازه، فهل يمكن اعتبار مستوى المرشد السياحي المتوفر في بلادنا كاف بالغرض؟ – لدينا مؤرخون مؤهلون فقط لا بد من توجيهم فبإمكانهم المساهمة في القطاع إذ تتوفر لديهم المادة الخام، أعطيك مثالا الجزائر العاصمة بدأت تستقطب السياح ليس مقصدا كعاصمة ولكن كمنطقة سياحية، بها مطار جديد يستوعب 7 ملايين مسافر يصله الميترو الذي يتجه إلى غاية وسط المدينة، بالقرب منه يوجد مركز تجاري كبير، وعلى بعد مسافة قريبة يوجد ثالث أكبر مسجد في العالم ثم منتزه الصابلات ب14 كم ، ثم يوجد مقام الشهيد، هذا الأخير الذي لا بد من إحداث حركية به وجعله مركزا حقيقيا للصناعات التقليدية، وأحسن الأطباق الجزائرية العالمية، دون أن أنسى قصبة الجزائر المصنفة كتراث عالمي لو تؤهل وتعصرن بإمكانها جلب مليوني سائح لوحدها وجعلها فضاء سياحيا حقيقيا لإبراز تاريخها. الجزء الثالث والأخير