“فُولِي طِيَّابْ” مَثَلٌ شعبيٌّ جزائريٌّ سَاخِر، يُضرَبُ للدّلالة على طرق الإشهار غير الموضوعيّة، في حالات اشتداد المنافسة بين الأقران، بحيث يأخذ كلُّ واحدٍ، يُبالغ في الإشهار لنفسه دون تقديم دليلٍ على جودة منتوجه، تماماً مثلما يفعل باعةُ الفول في الأسواق، حيث يدّعي كلُّ واحدٍ منهم أنّ فُولَهُ أفضل ذَوْقاً من فُولِ غيره!.. يبدو أنّ هذا المثل يُغَادِرُ مَوْرِدَه الأوّلَ الذي هو السّوق، إلى ميدان الثقافة والسيّاسة عندنا، على حدٍّ سواء: ففي كل سنة، عندما يقترب موعدُ المعرض السنوي للكتاب تبدأ البروباغاندا الثّقافية، وتبدأ عملية تضخيم الأرقام حول تعداد ما يؤلف في الجزائر سنويا من الكتب، ويبدأ بعضهم بالانخراط في الجو العام للبروباغاندا، فَمِمَّا لاحظنا في السنوات الماضية مثلا: أنّ كل واحد يحلو له أن يعلن أن كتبه قد نَفَدَتْ في الأيّام الأولى للمعرض، وأنّ الإقبال على كتبه كان عارما، إلى درجة الفوضى.. وقد لاحظنا أنّ بعضهم دخل موسوعة غينيس لأضخم كتاب في العالم، لأنّه كتب كتابا من 1500صفحة، ليس فيه حتى العنوان.. وليس فيه تهميش!..في الوقت الذي تطورت فيه المنهجية الداعية إلى الابتعاد عن الحشو، وأن العبرة بالمضمون، وبالإضافات العلميّة على مستوى الأفكار والمنهجيّة، وليس بحجم الصّفحات..كما لا حظنا من كان يفتخر بأنّه كتب أكثر من5000 قصيدة في مدّة وجيزة!.الأمر الذي يجعلنا نتساءل: وماذا بعد؟..هل هناك فعلٌ ثقافيٌّ حقيقيٌّ في المجتمع؟.. هل هناك تغيير في الذّهنيات؟.. هل كَتَبَ روائيّونا روايةً مثل رواية “الأمّ” لماكسيم غوركي، التي يقال عنها أنّها قدّمت للشّيوعيّة ما لَمْ تُقدِّمْهُ ثلاثون سنةً من النِّضال؟!.. لقد ذكّرتنا مثل هذه البروباغندات الثقافيّة، بالبروباغندا السيّاسيّة، وبالإحصائيات التي كانت تُقدَّم حول المشاريع السكنية، ومشاريع أونساج، ومشاريع الدّعم الفلاحي، ومَحَلَّات الرئيس، وعدد المرافق التّعليميّة، ومخابر البحث، وكثير من الهياكل التي ليس لها روح..تماماً مثلما ذكَّرتْنا بالتّصريح الشّهير للأمين العام الأسبق للأفلان جمال ولد عباس، عندما قال بأنه بصدد إنجاز كتاب ضخم يتكوّن من4000 صفحة حول انجازات الرئيس بوتفليقة!… حالةُ “فولي طيّاب” هذه تشتدُّ كثيرا هذه الأيّام، في خضمّ معركة التّرشّح للرئاسيّات، حيث يبدو “فولُ” كلِّ واحدٍ “طيّاباً” دون دليل، ودون أن يترك الزّبائن يتذوّقون “البنّة”!.. فلا نقاشات حرّة حول البرامج، ولا تبريرات علميّة، ولا مناظرات، ولا خبراء، ولا هم يحزنون ..والمُهِمّ أن “فول” كل واحد “طيّاب” وكفى!..