فوضى سادت الأرجاء، تدافع، صدامات وأصوات صاخبة وعدم وضوح المشهد، تلكم هي الأجواء التي ميزت كواليس محكمة عبان رمضان، على مدار الأربعة أيام من محاكمة الوزير الأول السابق أحمد أويحيى ونظيره عبد المالك سلال، وثلة من كبار المسؤولين في الدولة الجزائرية، على غرار وزير الصناعة يوسف يوسفي، وبدة محجوب، إلى جانب رجال الأعمال المتورطين في ملفات فساد، بكل صوره. بوابات مغلقة واحتقان كبير داخل البهو ففي اليوم الأول من المحاكمة، لم يسمح للصحفيين والمحامين وبعض المواطنين من الصعود إلى الطابق الثالث حيث تجرى المحاكمة، وبعد شد وجذب بينهم تمكّن المواطنون من الصعود إلى قاعة المحاكمة لكنهم منعوا رفقة المحامين والصحافة الوطنية من الدخول إلى القاعة والاكتفاء بمتابعة ما يجري داخلها عبر ثلاث شاشات عرض كبيرة بدون صوت. قرار المنع أحدث فوضى كبيرة في بهو الطابق الثالث، ونتج عنه صدامات بين الشرطة والراغبين في دخول القاعة، وصلت إلى حد التدافع وتعالت أصوات المحامين الذين جاؤوا لحضور الجلسة لكنهم تفاجؤوا بإغلاق الباب ووقوف عدد من أفراد الأمن بمحاذاته وهو ما دفعهم إلى الانسحاب منددين باستعمال العنف ضدهم.
أجواء مشحونة خارج المحكمة مشاهد مشحونة طبعت مدخل محاكمة رموز الفساد بمحكمة سيدي محمد بالعاصمة، من صدامات بين المواطنين الراغبين في دخول المحكمة وبين قوات الأمن التي منعتهم من ذلك، وهو ما نتج عنه توتر كبير مع تخوف من حدوث انزلاقات، وفي نفس الوقت تم غلق البوابة الرئيسية للمحكمة مع زيادة التعزيزات الأمنية.
حالة تدافع في بهو الطابق الثالث بمحكمة سيدي امحمد أعرب الصحافيون عن تضمرهم لعدم السماح لهم بتغطية أجواء المحاكمة، ومنعهم حتى من دخول قاعة المحاكمة، معلنين عن رفضهم لتعامل قوات الشرطة معهم، حيث قرروا مغادرة بهو الطابق الثالث والنزول إلى مكتب وكيل الجمهورية المتواجد في الطابق الأرضي. ومن أجل السماح لهم بالدخول قاعة المحاكمة، ارتأى الإعلاميون القيام بوقفة احتجاجية أمام باب مكتب وكيل الجمهورية، إلا أنهم لم يتمكنوا من مقابلته، حيث طلبوا منهم العودة إلى الباب الرئيسي لقاعة المحاكمة، وعادوا أدراجهم إلى الطابق الثالث لانتظار أخبار قادمة من خلف باب القاعة الرئيسية، فكان الذهاب وإياب الصحافيين أشبه بلعبة القط والفأر.. ومع عودة الصحفيين والمحامين المحتجين إلى الطابق الثالث تزايد الضغط والاحتجاج وحالات التدافع التي تسبب فيها بعض المطالبين بالدخول بقوة إلى قاعة المحاكمة وسط ارتفاع الأصوات الرافضة للتدخل العنيف لأفراد الشرطة.
هيئة الدفاع تخطف الأضواء وبعد ساعة من بدء بث الصور من دخل القاعة، وفي حوالي الساعة الحادية عشر صباحا، بدأ أعضاء هيئة الدفاع في الخروج من القاعة معلنين انسحابهم من الجلسة، وهو ما حوّل أنظار الصحفيين نحو المحامين المتشبثين بقرار الانسحاب ومقاطعة الجلسة، حيث اتفق الجميع على أن الفوضى داخل القاعة كانت كبيرة جدا لدرجة عدم تمكنهم من سماع النيابة ولا المتهمين، وهو ما دفع هيئة الدفاع إلى الانسحاب وإعلان مقاطعتهم لجلسة المحاكمة. خروج المحامين كان فرصة للصحفيين لمعرفة ما حدث داخل القاعة، حيث كانت تصريحاتهم متشابهة، مؤكدين أن صغر القاعة لم يسع هيئة الدفاع ولا باقي المحامين والأسرة الإعلامية، وهو ما دفعهم للمطالبة بتوفير قاعة أكبر. هيئة الدفاع أجابت عن أسئلة الصحفيين، وكذا المواطنين المتواجدين داخل المحكمة، مؤكدين أنهم اتفقوا على الانسحاب، وهو ما نتج عنه تأجيل القضية إلى غاية الرابع من شهر ديسمبر الجاري.
المتهمون بوجوه شاحبة ومعنويات محطمة وعن الحالة الجسدية والنفسية للمتهمين، كشف المحامي نجيب بيطام أن الوزيرين الأولين السابقين، دخلا بمعنويات محطمة، وآثار التعب والخوف بادية عليهما، وأضاف أن المتهمين لم يناموا ليلة البارحة، حيث كانوا في حالة إرهاق شديد. كما كشف المحامي عن جزء مما حدث داخل قاعة الجلسات بمحكمة سيدي امحمد بالعاصمة، لحظة دخول الوزيرين الأولين السابقين أحمد أويحيى، وعبد المالك سلال وقال بيطام، في تصريح للصحافة، قال إن الأمر كان صعبا جدا، كما أن مكان المحاكمة كان غير ملائم نظرا لضيق القاعة وأضاف أن محامي الدفاع لم يتمكنوا من الالتحاق بقاعة الجلسات، نظرا للكم الهائل من المواطنين، وقرروا عدم المضي في الإجراءات”.
تعزيزات أمنية طوال أيام المحاكمة ضمن تعزيزات أمنية، طوقت قوات الأمن، ترافقها عناصر من الفرق الخاصة للتدخل ” بياري” كل المداخل التي تؤدي إلى محكمة سيدي محمد، وسط توافد كبير للمواطنين لحضور أطوار المحاكمة الأولى من نوعها في تاريخ القضاء الجزائر، كونها علنية اولا وتمس شخصيات نافذة ومسؤولية من الوزن الثقيل تورطوا بتهم ثقيلة تتعلق بنهب المال العام وصفقات كبرى مشبوهة في أحد أكبر القضايا والتي تخص مصانع تركيب السيارات.
الفضول يدفع المواطنين لحضور المحاكمة وتواصل توافد المواطنين لساعات بعد بداية أطوار المحاكمة، حيث اضطر قوات الأمن إلى وقف ولوج المواطنين إلى المحكمة من أجل حضور أطوار جلسة محاكمة، ما أبرز رموز النظام السابق المتورطين في قضايا فساد منها ما يحاكمون فيها قضية الحال الخاصة بمصانع تركيب السيارات.
لا حديث سوى عن محاكمة وعقوبة المتورطين لم يكن حديث الحشود الشعبية التي اصطفت أمام محكمة عبان رمضان لمتابعة مجريات “محكمة القرن” سوى عن اويحيى، سلال، وآخرين… الكل أصبح يهمه أمر هؤلاء وضرورة محاسبتهم. ولدى محادثتنا لبعض المواطنين الذين تواجدوا أمام محكمة سيدي محمد أجمع الكل على ضرورة محاسبة جميع من تورط في الفساد ونهب أموال البلد “لي دار يخلص”… هكذا أكد هؤلاء، مضيفين أن العدالة كي تثبت استقلاليتها ونيتها في إحقاق الحق أن الفرصة مواتية لذلك، فالبريء يأخذ براءته ومن أخذ دينارا من أموال الشعب يجب أن يحاسب.
سلال ينهار.. والقاضي يأمر بإخراجه من القاعة لوحظ على الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال شيء من التعب والإرهاق، كاد أن يغمى عليه، الأمر الذي جعل وكيل الجمهورية لدى محكمة سيدي امحمد يأمر بإخراجه من قاعة المحاكمة.
غياب أقارب الكثير من المتهمين الغريب في الأمر غياب أهالي المتهمين منذ انطلاق المحاكمة التاريخية بمحكمة سيدي امحمد على غرار وزيري الصناعة السابقين بدة محجوب ويوسف يوسفي وكذا الوزير عبد الغاني زعلان وأويحيى وعبد المالك سلال بعكس رجال الأعمال الذين حضوا بحضور أفراد عائلاتهم ما عدا علي حداد.
هكذا كانت حالة سلال وأويحيى والآخرون في قضية ملف تركيب السيارات في الوقت الذي باشر وكيل الجمهورية بمحكمة سيدي امحمد مرافعته في حق المتهمين في ملف الحال بدى التوتر والخوف في وجه كل من أويحيى وسلال وبدة محجوب ورجال الأعمال اللغز علي حداد الذي جر أول أمس سعيد بوتفليقة للإدلاء بشهادته في قضية التمويل الخفي للأحزاب السياسية والحملة الانتخابية، كما ظهرت في وجه أويحيى المعروف بقدرة التحمل علامات التعب والإرهاق، أما سلال فكان خلال المرافعة شرد الذهن وعلامات الصدمة الممزوجة بنوع من الدهشة بداية في وجهه، والشيء نفسه لباقي المتهمين الذين لم يتوقعوا يوما ان يكونوا في قفص الاتهام مكبلي الأيادي.
سلال يغمى عليه بعد سماعه العقوبة الملتمسة بين العزة والانهيار خيط رفيع، فمن كان يصدق ان الوزير الأول الذي اخذ آلام ومشاكل الشعب بكوميديا متكررة في تمثيلات رسمية، يلتمس له وكيل الجمهورية عشرين سنة سجنا نافذا مع مصادرة أمواله، هذه السنوات التي سيقضيها الوزير الأول السابق عبد المالك سلال في السجن، قد قضاها شعب بأكمله في المعاناة وهو لم يدرك هذا، اليوم فقط أدرك ما معنى مشكل أو هم، لكن وكيل الجمهورية لم يأخذها بكوميديا كما كان يفعل هو، بل عند إصابته بالإغماء أمر بإخراجه من قاعة المحاكمة ليرتاح، ويعود مرة أخرى.
هكذا دخل سلال وأويحيى إلى قاعة الجلسات في الفترة المسائية دخل كل من أحمد أويحيى مطأطأ الرأس ومتعبا ومصدوما، الشيء نفسه لعبد المالك سلال الذي كان ينظر ذات اليمين واليسار كأنه يبحث عن شيء قد فقده، والمتمعن في تلك النظارات التي تترجم الحسرة والندم وكأنه يقول بداخله يا ليتني لم أتقلد المسؤولية.
يمينة زرهوني تفقد أعصابها بين أروقة المحكمة كانت الوالية السابقة لولاية بومرداس تصول وتجول في أرجاء قاعة المحاكمة، تتنقل بين جموع المحامين تسأل عن مصيرها ولا تجد إجابة شافية. توافد شعبي لحضور جلسة الإعلان الحكم عن المتهمين في ملف استيراد السيارات: شهدت محكمة سيدي امحمد صبيحة أمس الثلاثاء أجواء استثنائية من الترقب و الانتظار، الذي بدأ قويا و ازداد وقعه قوة جلسة بعد جلسة، فمع مرور الوقت أصحاب الحق ينتظرون القصاص، وأصحاب التهم ينتظرون الرحمة، وأصحاب الفضول ما بينهما، ومع بزوغ علامات ضوء صبيحة الثلاثاء، بدا توافد اعدد هائلة من المواطنين إلى محكمة سيدي امحمد لحضور جلسة النطق بالأحكام التي ستصدر اليوم في حق كل من اويحي و سلال ووزراء آخرون في قضية مصانع تركيب السيارات و للتذكير فقد التمس وكيل الجمهورية أول أمس في مرافعته عقوبة 20سنة حبسا نافذا و مليون غرامة مالية نافذة في حق سلال و أويحي و وزير الصناعة الأسبق الذي هو في حالة فرار عبد السلام بوشوراب.. تعزيزات أمنية كبرى في المحكمة من الداخل والخارج شهدت قاعة الجلسات التي احتضنت على مدار أربعة أيام إحدى أهم المحاكمات التاريخية بالنظر إلى ثقل المتهمين و حجم القضايا التي تورطوا فيها، أجواء استثنائية فأعداد كبيرة توافدت عليها على غرار أقارب و أصحاب بعض المتهمين و كذا توافد عدد هام من المحامين، كل هذا تحت تعزيزات أمنية مشددة بالداخل و بالبهو المؤدي إليها و الجميع على شغف لسماع الأحكام التي سينطق بها قاضي الجلسة المحاكمة، كل الشاشات لتي نصبت في أبهية المحكمة لا تكاد ترى من التفاف الناس حولها ترقبا لنتائج الالتماس من طرف وكيل الجمهورية الذي نوعا ما حقق أملا في القصاص ممن نهبوا لسنين خيرات بلد أبناءه يتألمون. قدوم المتهمين ونزع الأغلال من أيديهم دقت الساعة التاسعة وبعض الوقت، وبدأ الهدوء يخيم على القاعة، عندما فتح الباب و دخل جمع الوزراء المنكوب بعد عهدات من السمو والرفعة على الجزائر والجزائريين، هاهو الوزير الأول الذي رأى ان الشعب ليس من الضروري ان يأكل، فالقوت مختصر بالنسبة له في الماء و الخبز، بينما هو كبد خزينة الدولة ملايير احمد أويحيى يسير ويداه بالأغلال مكبلة، وبزته الواقية من الرصاص أصبحت اكبر منه بكثير من الحجم، وهاهو عبد المالك سلال من قال ان شباب الجامعة هؤلاء العتاريس، الذي كان ملكا على قوم يصرخون لحاجة العمل والعلم، يسير بخطوات متثاقلة والخوف يسكن قلبه، وهذه المرة لا يقوى على إخفاءه بابتسامة بعد ان بكى بكاء الصغار مسترجيا عطف القضاء، بدة محجوب، حداد، بايري وغيرهم، يتقدمون يجرون حيرتهم وفي الحقيقة ان ذنوبهم هي التي تجرهم، يقفون وقفة التلميذ الخائب الذي نسي واجبه وينتظر العقاب، فيأتي السجان ويفك الأغلال من أيديهم و يجلسهم في حضرة الانتظار.
ابتسامة استقبال الحكم خلفها ألف صدمة بعد ان نطق القاضي بالأحكام، كانت الوجوه تختلف فيما بينها كيف تظهر صدمتها، فأفراد عائلة بايري محمد بدت الصدمة واضحة وقوية، بكاء وعويل، صراخ يبلغ عنان السماء، فلم يكونوا راضين عن العقوبات التي نطق بها القاضي، وربما كانوا غير راضين من الأساس بوقوع التهم، ففي مثل هذه الحالات المذنب ينسى ذنبه و يراه حقا له ان يخطئ ولا حق للغير في حسابه، و الشيء نفسه لأفراد عائلة يوسف يوسفي صراخ وعويل، والأكثر من ذلك حمل الهواتف و الاتصالات، هل لا يزال الطغيان يعميهم لدرجة انهم يرون في الحكم قابلية للتغيير.