تلاحم الشعب الجزائري مع جيشه يعكس صلابة الجبهة الوطنية الداخلية    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الشؤون الخارجية الإيراني    الجزائر لديها الآليات لتحقيق سيادتها الرقمية    أحزاب سياسية تستنكر التحامل الخطير للحكومة الانتقالية بمالي وتؤكد دعمها المطلق للموقف السيادي للجزائر    إتصالات: رئيس الجمهورية يعطي الضوء الأخضر لتقنية الجيل الخامس    جازاغرو 2025 : 540 مؤسسة في مجال الصناعات الغذائية والتعليب والتغليف تعرض منتوجاتها    المغرب : مناهضة التطبيع والاختراق الصهيوني معركة حقيقية تستوجب انخراط جميع شرائح المجتمع    حج 2025 : تسخير مراكز للتكوين والتدريب لفائدة الحجاج عبر مختلف بلديات ودوائر الوطن    المغرب: تسويف حكومي يهدد القطاع الصحي بالانفجار والعودة الى الاحتجاجات    الوصاية تصدرعقوبة مالية ضد قناة "الشروق تي في    استعرضنا امكانية فتح أكاديمية لتكوين الصحفيين ومهنيي قطاع الاعلام    ارتفاع عدد الصحفيين الشهداء إلى210 بغزة    وفاة شخص وجرح 204 آخرين في حوادث المرور    توقيف مهرب مغربي وبحوزته 120 كلغ من المخدرات بفرنسا    الجزائر تقرر غلق مجالها الجوي أمام مالي    الجزائر تحتضن في ماي المقبل الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية    اجتماع لسلطة الانتخابات    شرطة الطارف تطلق حملة تحسيسية للوقاية من آفة المخدرات    نقابة الصحفيين الفلسطينيين: 209 شهداء من الصحفيين منذ بداية العدوان الصهيوني    هذا جديد البكالوريا المهنية    مختصون وباحثون جامعيون يؤكدون أهمية رقمنة المخطوطات في الحفاظ على الذاكرة الوطنية    صرخة المغاربة ضد خيانة المخزن لفلسطين    الخط الجوي الجزائر-أبوجا.. دفع جديد للعلاقات الاقتصادية    اختيار 22 جزائرية ضمن الوسيطات لحل النّزاعات    المسابقة الوطنية للمحاماةتخضع لحاجة الجهات القضائية    الموافقة على تعيين سفيري الجزائر بتنزانيا والموزمبيق    تبادل الرؤى حول الرهانات الاقتصادية الإقليمية    طرد سفير الكيان الصهيوني بإثيوبيا من مقر الاتحاد الإفريقي    صناعة صيدلانية: تنظيم ورشة للتقييم الذاتي للنظام المعمول به في مجال الأدوية و اللقاحات    هكذا تمكنتُ من التغلب على السرطان    "الفندق الكبير" بوهران تحفة تاريخية تعود للحياة    موناكو وليل الفرنسيّان يطلبان خدمات ريان قلي    إشعاع ثقافي وتنافس إبداعي بجامعة قسنطينة 3    التشكيل والنحت بين "الحلم والأمل"    الدراما الجزائرية.. إلى أين؟    أنصار ولفرهامبتون ينتقدون آيت نوري بسبب الدفاع    شياخة سعيد بأول أهدافه في البطولة الدنماركية    مطاردة.. تنمُّر وتحرش تستهدف المؤثرين الاجتماعيّين    أعمال المؤرخ الجزائري الراحل عمر كارلييه محور ملتقى بوهران    تنصيب لجنة التحكيم الخاصة بمسابقة أفضل الأعمال المدرسية حول موضوع "الجزائر والقضايا العادلة"    ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 50695 شهيدا و115338 جريحا    مواي طاي (بطولة افريقيا- 2025- أكابر): مشاركة 12 مصارعا في موعد ليبيا المؤهل إلى الألعاب العالمية- 2025 بالصين    تنظيم الطبعة الأولى من 12 إلى 15 أفريل    مولوجي تستقبل بوراي    فيلم الأمير.. ورهان الجودة    الشباب يستعيد الوصافة    3 قتلى في حوادث مرور    كأس الكونفدرالية/ربع نهائي إياب: شباب قسنطينة يتنقل هذا المساء إلى الجزائر العاصمة    تصفيات مونديال سيدات 2026 (أقل من 20 عاما): المنتخب الجزائري يجري تربصا تحضيريا بسيدي موسى    لا سبيل لتصفية الاستعمار بالصحراء الغربية إلا المفاوضات    الشبيبة تقفز إلى الوصافة    الجزائر ومنظمة الصحة تتفقان    بحثنا سبل تنفيذ القرارات الخاصة بتطوير المنظومات الصحية    فتاوى : الجمع بين نية القضاء وصيام ست من شوال    اللهم نسألك الثبات بعد رمضان    لقد كان وما زال لكل زمان عادُها..    أعيادنا بين العادة والعبادة    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شهر شوال غدا السبت (وزارة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التدخل التركي وأجندة الأمن الديناميكية الليبية في ظل المخاوف الأمنية الإقليمية
نشر في الحوار يوم 29 - 12 - 2019

في ظل وثبة الصعود التي تسعى إليها تقترب تركيا من التدخل العسكري في الحرب الأهلية المتصاعدة في ليبيا بعدما أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان عن تصويت برلماني قد يسمح بإرسال قوات تركية إلى ليبيا في غضون أسابيع لدعم الحكومة المضطربة بعد حصار طرابلس من طرف زعيم المليشيا خليفة حفتر منذ شهر أفريل 2019.


بقلم الدكتورة: سامية بن يحي
كلية الحقوق والعلوم السياسية باتنة / الجزائر

فبعد تمرد عام 2011 الذي أطاح بالعقيد معمر القذافي الرئيس السابق، تعرضت ليبيا لإنفلات أمني غير مسبوق بسبب الاقتتال الدائر بين مختلف الفصائل انتهى إلى افراز معادلة معقدة في توصيف الأزمة الليبية الحالية، والتي تمثلت في انقسام ليبيا الى جزء يسيطر عليه مليشيا اللواء خليفة حفتر – الذي يصنف نفسه كرجل قوي يمكنه استعادة النظام في ليبيا مدعوما من عديد الدول على غرار الإمارات العربية المتحدة ومصر، وفرنسا، وروسي الى حد ما – وقسم تحت سيطرة حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج – المعترف بها دوليا – أمام تجاذبات واستقطاب المصالح الإقليمية لمجموعة من القوى العالمية والإقليمية باتجاهات مختلفة من أجل رسم مستقبل ليبيا الجديدة بعد الحرب، بهذا وجدت أنقرة طريقا جديدا لتوسيع نفوذها السياسي والعسكري في المنطقة، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة حول احتمالية تجسيد هذا التدخل ومدى نجاحه في حالة ما تم اقراره وتنفيذه بشكل رسمي في ظل غياب إجماع وتوافق داخلي وخارجي حول إرسال قوات إلى ليبيا وخوض تركيا مغامرة جديدة في حرب فوضوية أصبحت بالفعل معركة بالوكالة بين القوى الإقليمية، خاصة بعد أن احتدمت الاشتباكات حول طرابلس مؤخرا وإعلان خليفة حفتر قائد قوات شرق ليبيا، والذي يعتبره أردوغان زعيما غير شرعي عن بدء "المعركة الحاسمة" للسيطرة على العاصمة طرابلس.

المخرجات الاستراتيجية للتدخل أمام مؤشرات القوة وضيق الرؤية
أن اهتمام تركيا بليبيا ليس عارضا جديدا، فطالما أبدت تركيا نيتها في تطوير سياسة التأثير الإستراتيجي وتطوير قدراتها التنافسية، فبعد الشرق الأوسط من بوابة سوريا إلى المتوسط من بوابة ليبيا منذ انطلاق شرارة ما يسمى بالربيع العربي في 2011 ووفقا لنص الاتفاقية العسكرية الاخيرة – والتي تتعلق بترسيم الحدود الملاحية في البحر المتوسط، وإرسال قوات تركية إلى ليبيا إذا طلبت حكومة الوفاق الوطني- التي تعد دعما عسكريا يمكن لطرابلس أن تطلب المركبات والمعدات والأسلحة لاستخدامها في العمليات العسكرية والجوية والبحرية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية الجديدة، طالما أنه كان هناك تعاون عسكري مستمر بين طرابلس وأنقرة من قبل، وهذا ما يفسر العوامل الكامنة للتدخل التي تنطلق منها تركيا نذكر أبرزها:
– العامل الاقتصادي، حيث تقدم ليبيا لتركيا آفاقا ضخمة فيما يتعلق بتطوير البنية التحتية وإعادة الإعمار.
– العامل العسكري الذي يبرز رغبة تركيا في إظهار قدراتها العسكرية عن طريق بيع الأسلحة لما يسمى بحكومة الوفاق الوطني المتمركزة في طرابلس والسعي نحو إنشاء قاعدة عسكرية تركية في ليبيا.
– العامل الإديولوجي والمتمثل في سعي تركيا لاسترجاع أمجاد العثمانيين بوصفها دولة راعية للإسلام والمسلمين.
– العامل الجيوسياسي الأمني، حيث أن تورط تركيا في الصراع الليبي هو أداة لتوسيع نفوذها في المنطقة بأسرها، ويمثل الصراع في ليبيا أيضا خط الصدع الجديد في الشرق الأوسط، أين تقع كل من تركيا وقطر من جانب والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ومصر من جهة أخرى الرؤية التركية للمنطقة تتعارض مع السياسات الإماراتية والسعودية – الحرب بالوكالة بين الطرفين في كل من ليبيا وسوريا- لكن أهم فائدة لتركيا في هذا التقارب هو تقنين مطالبات المنطقة الاقتصادية في شرق البحر المتوسط ، وبالتالي إضفاء الشرعية على أنشطة التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط قبالة ساحل قبرص المثيرة للجدل في المنطقة لتصبح تركيا من أكثر الدول تأثيرا في نقل الطاقة، وهذا سيعود عليها بفوائد استراتيجية سياسية وأمنية،لأن أمن تركيا يرتبط بالأمن العالمي لسوق الطاقة.
فكيف سيؤثر تدخل تركيا في ليبيا على الأمن والاستقرار الإقليمي وعلى العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا؟

المخاوف الأمنية الإقليمية
لا شك أن التدخل التركي في ليبيا سيزيد من إرباك المشهد وزعزعة الاستقرار في ليبيا والمنطقة برمتها ما يشكل تهديدا أمنيا أكثر شراسة على دول الجوار التي حسمت موقفها من الدخول في تحالف مع أي طرف، ورفض أي تدخل غير دبلوماسي لحل الأزمة الليبية، وهو الموقف الذي تبنته كل من تونس والجزائر معتبرة أن التدخل الأجنبي هو أحد أكبر العقبات التي تحول دون حل الأزمة الليبية وحرصتا على تأمين حدود الدولتين في حال التصعيد مستقبلا، أما مصر فقد عبرت على لسان رئيسها عبد الفتاح السيسي في منتدى للشباب في منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر "لدينا القدرة على التدخل في ليبيا لكننا لا نفعل ذلك، وأعرب السيسي عن دعمه للجيوش الوطنية في ليبيا، في إشارة واضحة إلى جيش حفتر الوطني الليبي، وتعد مصر منافسا إقليميا لتركيا وواحدا من الداعمين الرئيسيين للجيش الوطني الليبي الذي يقاتل القوات المتحالفة مع الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس، لذلك تحركات تركيا حسب مصر تهدف إلى محاصرة مصر وتقويض أمنها من خلال دعم حركة الإخوان المسلمين المحظورة.

موقف الاتحاد الأوروبي
رغم حرص أردوغان على أن تركيا لن تتدخل إلا بناء على طلب الحكومة في طرابلس في أحد تصريحاته "نحن لا نذهب إلى حيث لم تتم دعوتنا" غير أن التدخل التركي في ليبيا من المرجح أن يؤدي إلى سلسلة من الانتقادات الأوروبية، فالأوروبيون خائفون للغاية من نفوذ الرئيس التركي، من جهة تصعيد قضايا الهجرة لدفع الحدود بعيدا عن تركيا، ويأتي تعهد تركيا بتقديم دعم عسكري لليبيا في وقت تتصاعد فيه التوترات بين أنقرة ودول الاتحاد الأوروبي على عدد من الجبهات – ليس أقلها تدخلات أنقرة العسكرية ضد الأكراد في سوريا في وقت سابق من هذا العام، علاوة على ذلك، وقعت أنقرة وطرابلس اتفاقهما الأمني والعسكري في الوقت نفسه بوصفهما مذكرة منفصلة عن الحدود البحرية ما أغضب اليونان، والتي طردت السفير الليبي من اتفاق الحدود البحرية، وفي هذا الصدد صرح نائب وزير الخارجية اليوناني ميلتاديس فارفيتسيوتيس لصحيفة ايثنوس "يتعين على تركيا أن تختار ما اذا كانت ستتبع طريق العزلة الذاتية أو الاستمرار في لعب دور مثيري الشغب في المنطقة أو التصرف كجار جيد من الآن فصاعدا".
إن موقف اليونان يستند الى خلفية انتهاكات تركيا لاتفاقية حظر الأسلحة التي تفرضها الأمم المتحدة على ليبيا مؤكدة المخاوف الدولية بشأن دعم أنقرة للقوات الإسلامية الليبية، أما الاتحاد الأوروبي فقد أعلن في بيانه تضامنه التام مع اليونان وقبرص مشددا على ضرورة أن تحترم تركيا السيادة والحقوق السيادية لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في حين اكتفى ترامب بدعوة كل الأطراف الى ضرورة حل الأزمة الليبية دبلوماسيا قبل أن تتفاقم معتبرا التدخل التركي خطوة استفزازية، والوقت لا يسمح بإثارة المزيد من عدم الاستقرار في منطقة البحر المتوسط.

انعكاسات التدخل التركي في ليبيا في المستقبل القريب
إن تدخل تركيا في ليبيا يأتي في سياق معركة إقليمية ودولية من أجل النفوذ، وإعادة ترتيب مؤشرات القوة في المنطقة قد تزعزع استقرار شمال إفريقيا وتهدد بإطالة أمد الصراع الليبي في حالة تمسك تركيا بموقفها، لذلك قد تجد تركيا ومصر والإمارات العربية المتحدة نفسها في حالة نزاع عسكري غير مباشر في شمال إفريقيا، فمن المحتمل أن يكون اعلان تركيا تدخلها العسكري القريب موجها إلى الجهات الدولية الفاعلة المشاركة في ليبيا بدلا من اللاعبين المحليين إلى جانب الاتفاقية الأمنية، وهي إشارة واضحة إلى أن تركيا تعتزم البقاء في ليبيا لفترة من الوقت، مع الحرص على وجود اتفاق بينها وبين روسيا، مثل هذا الإتفاق حسب الطرف الأوروبي إذا تم فعليا سيزيد من تهميش دور أوروبا في المنطقة، هذه الديناميكية الأمنية المربكة للأزمة الليبية تطورت أكثر بسبب عجز أوروبا عن اتخاذ موقف موحد اتجاه أطراف الصراع في ليبيا بين دعم فرنسا القوي لحفتر، ومبادرة ألمانيا – فإذا أرادت أوروبا الحفاظ على موقعها ومصالحها في ليبيا، فسوف تحتاج إلى إعطاء حياة جديدة لهذه المبادرة، وأن تستغل الفرصة لمعالجة العيوب في عملية برلين التي سمحت بحدوث مثل هذه التطورات، وهذا ينطوي على تشكيل موقف موحد بين الدول الأعضاء التي لها مصالح في ليبيا، وهذا أيضا يستلزم محاولات متضافرة لإقناع فرنسا بأن مصالحها الأمنية يجب أن تتحقق بشكل أفضل على منصة أوروبية مشتركة تضغط من أجل ضمان الاستقرار بدلا من دعمها لحفتر.
– من جهة استمرار تبني الولايات المتحدة الامريكية رؤية غير واضحة اتجاه الصراع في ليبيا، قد يقوض أية مبادرة أوروبية لحل الأزمة، لذلك فإن التوافق الأوروبي والأمريكي متغير حاسم لوضع أجندة الأمن الليبي والإقليمي مستقبلا، أما إذا بقيت أوروبا وفق إجماع الرؤى الأوروبية بدلا من ذلك متفرجا مترددا، فسوف ترى نفسها تفقد نفوذها من شواطئ طرابلس إلى شرق البحر المتوسط.
– التدخل التركي في ليبيا يضع مساعي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في ازدواجية المعايير، من جهة سعي تركيا الى شرعنة اتفاقها مع ليبيا، ومن جهة أخرى مدى حياد الأمم المتحدة في تعاملها أمام مصالح ومزاج الأطراف اللاعبة في الصراع الليبي، رغم إدراك تركيا ذلك فإنها تخطو خطواتها بثقة وحذر.

البريد الإلكتروني: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.