صوت وطن أسير الأسير المحرر محمد أبو علان يروي تجربته النضالية
يواصل مركزأبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة في جامعة القدس نشر تجارب، حيث ينشر بحلقة هذا الأسبوع، تجربة الأسير المحرر محمد أبو علان من بلدة الظاهرية قضاء الخليل، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة.
سيرة مناضل أنا محمد عطا يوسف أبو علان من مواليد 9 /2 /1962 بلدة الظاهرية قضاء الخليل، أنتمي إلى أسرة متوسطة كانت تعمل في الزراعة شأنها شأن معظم أهالي البلدة. ومنذ صغري أصبت بشلل الأطفال، حيث لدي إعاقة حركة في ساقي لا أستطيع المشي إلا باستخدام العصا. بدأت تجربتي في عام 1982، وكون إخوتي المرحومين عادل وإبراهيم كانا من أشهر اللاعبين في نادي شباب الظاهرية واللذان أيضا اعتقلا عدة مرات، إضافة إلى أخي الأكبر شاهر ابو علان، الذي اعتقل أيضا عدة مرات منذ عام 1975 وحتى عام 1991. بدأت تجربتي في مقاومة الاحتلال عام 1982، حيث كنت طالبا في المدرسة، وقد كنت متطوعا في النادي، وقد كونت مع مجموعة من الطلبة، أذكر منهم مجاهد اوريدات وغالب بدوي اوريدات وصبحي اوريدات وزياد السمامرة ومحمد شريتح الطل وصبحي على سليم وغالب سمامرة ومحرز الطل وشريف خضيرات وعيسى عزبان وناصر الطل، حيث أنه كان باص للجيش الإسرائيلي يمر يوميا من بلدة الظاهرية صباحا ومساء في الساعة 7,45 دقيقة قادما من مدينة بئر السبع متجها إلى القدس أو عائدا منها مساءً، كنا نتجمع بانتظار الباص ونقوم برشقه بالحجارة، كانت في تلك الفترة قد انتشرت ظاهرة روابط القرى المتعاونة مع الاحتلال، وقد تم تعين المجلس البلدي من رجالات روابط القرى الذين كانوا يتتبعون خطوات المقاومين للاحتلال ويقوموا بالإبلاغ عنهم. قبل اعتقالي الأول طلبني ضابط المخابرات بعد أن كنا قد أن شاركنا في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، وقد لبس المشاركون قميصا كتب عليه “دم صبرا وشاتيلا لن يذهب هدرا”. وبتاريخ 14 /11/ 1982 أرسل الحكم العسكري طلبات استدعاء لعدد من الطلبة والمدرسين وكنت من ضمنهم، وأثناء وجودنا في مقر الحكم العسكري انهال ضابط المخابرات علي ضربا، نزل الدم من فمي، واستمر في ضربي حتى غبت عن الوعي، استمر التحقيق عن نشاط إحياء ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا ومحاولة معرفة الأشخاص الذين قاموا بالطباعة على القمصان وتوزيعها، لكني لم أدل بأية اعترافات حيث أطلق سراحي بعد أسبوع من التحقيق. في 25 /12 /1982 تم استدعائي إلى مقر الحكم العسكري في الخليل مرة أخرى وطلب مني التوقيع على تعهد بعدم المشاركة في نشاطات ضد الاحتلال وعندما رفضت التوقيع، قال لي ضابط المخابرات: أنت غير مؤدب. قلت له: إذا كنت كذلك فقد تعلمت قلة الأدب منك، صفعني وبعد عدة ساعات أطلق سراحي، وبعد عدة أيام في بداية عام 1983 أصدر الحكم العسكري قرارا بفصلي من المدرسة، حيث التحقت بمدرسة خاصة هي مدرسة رابطة الجامعيين، حيث التقيت بعدد من الطلبة المفصولين من الحكم العسكري، ومنهم خالد فقوسه وآخرين. بتاريخ 15 /11 /1985 اعتقلت بعد أن قمنا بضرب باص إسرائيلي بالحجارة كان يمر من أمام المدرسة ومعي مجموعة من الطلبة من ضمنهم عادل شديد وخالد فقوسة، الذين اعتقلا أيضا وتم نقلي إلى مركز التحقيق في مقر الحكم العسكري في الخليل، وبعد عشرة أيام من التحقيق المكثف لم أدل بأية معلومات حيث تم إطلاق سراحي. في أواخر عام 19987 اندلعت الانتفاضة الأولى انتفاضة الحجارة في الثامن من جانفي عام 1987م من بلدة جباليا على إثر دهس شاحنة إسرائيلية لمجموعة من المواطنين الفلسطينيين، انتشرت الانتفاضة بسرعة انتشار النار في الهشيم إلى أن وصلت جذوتها الى منطقة الخليل. وفي ليلة 5 /3 /1988 اعتقلت أنا احترازيا أنا وأخي إبراهيم لمدة خمسة أيام، حيث كان الجو باردا جدا نتيجة تساقط الثلوج التي تراكمت على الأرض قضيناها في “الخشابية”، التي أقيمت على مدخل مقر الحكم العسكري في الخليل. وبعد أقل من عشرين يوما، وفي ذكرى يوم الأرض بتاريخ 30/3 /1988 أعيد اعتقالي مرة أخرى احترازيا لعدة أيام. وفي ليلة 27 /8 /1988 أعيد اعتقالي مرة أخرى ضمن مجموعة من الشباب بتهمة إلقاء زجاجات حارقة ورفع أعلام وتشكيل مجموعات ضاربة في الانتفاضة، وكان من ضمن المعتقلين معي في تلك المجموعة عماد أبو شرخ ومصباح مخارزة وأكرم الكعكة وخالد صبيح، وقد تمت محاكمتي على قانون تامير، حيث لم أدل بأية اعترافات، حيث تم إدانتي بناء على اعترافات بعض الشباب وتم تقديمي إلى المحكمة. المحكمة: عقد لي محكمة عسكرية من قاض واحد وبعد عدة جلسات حكمت على المحكمة العسكرية بخمسة شهور فعلية وخمسة آلاف شيكل بعد حوار بيني وبين المدعي العام في المحكمة، إذ قلت له إنني معاق حركيا وكيف لي أن القي زجاجات حارقة وأتمكن من الهروب؟ حيث أخذ القاضي ذلك بعين الاعتبار وصدر بحقي حكما مخففا. نقلت بعدها إلى سجن مجدو والتقيت مع عدد من الإخوة الذين كان لهم أثر كبير في صقل شخصيتي، ومنهم الأخ جمال أبو الرب الذي أصبح بعد قيام السلطة عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني، وياسر الحاج حسن وبلال ولويل. وقد كان أيضا في المعتقل من أبناء بلدتي كل من راجح ابو شرخ وزياد مهند السمامرة وشحدة شتات. وفي سجن مجدوا حرمت من زيارة الأهل، وفي يوم الزيارة جاءت والدتي حمده العامري التي لقبها المعتقلون في سجن الظاهرية ب (تاتشر) كناية عن المرأة الحديدية، حيث كانت تتواجد بشكل دائم أمام المعتقل وتزور المعتقلين وتقدم المساعدات لهم وتنقل الرسائل والإخبار من الأسرى إلى أهاليهم، وعندما وصلت إلى باب المعتقل أبلغها حارس السجن، وهو درزي اسمه علي، بأنني معاقب بالحرمان من الزيارة، قامت والدتي بضرب الحارس وحصل استنفار في السجن وبقيت محروما من الزيارة حتى أفرج عني بتاريخ 28 /2 /1989. كان في معتقل مجدو حياة تنظيمية وكان فيه حالة من الضبط لحياة المعتقلين، إذ كان هناك تركيز عال على التعبئة الوطنية والثقافية والفكرية، وقد تم تكليفي إلى جانب الأخ إدريس جرادات في النشاط الثقافي، وكان الأخ تيسير جرادات الموجه الثقافي العام في المعتقل. بعد خروجي من السجن توجهت للعمل في مكتب للصحافة كان يديره الأخ حامد الادهمي وماهر عبيدو واميمة بدر، حيث كانت هذه المكاتب تعمل بشكل حثيث على إظهار وترويج نشاطات وفكر الانتفاضة عبر وكالات الأنباء العالمية وخاصة الوكالة الفرنسية للأنباء التي كان مكتبنا يزودها بالأنباء وكان الاحتلال يهاجم هذه المكاتب بالمداهمة والتفتيش واعتقال الصحفيين، وقد شكل لي هذا العمل غطاءً لنقل بيان القيادة الموحدة وتوزيعه في عدد من المناطق وخاصة بلدي الظاهرية، وعلى خلفية ذلك أعيد اعتقالي مرة أخرى، حيث أنه بتاريخ 27 /9 /1990 داهمت قوة كبيرة من الجيش منزلي وتم اعتقالي واقتيادي إلى الخشابية في مقر الحكم العسكري في الخليل، وبعد عدة أيام تم نقلي إلى معتقل الظاهرية وقد تم إبلاغي بقرار اعتقالي إداريا لمدة خمسة شهور ، مكثت فيه عدة أسابيع في ظروف اعتقال قاسية جدا، حيث أن الجيش وليس شرطة السجون من يقوم على إدارة المعتقل ولم يكن المعتقل مجهزا كغرف تصلح للحياة الآدمية، بل كان عبارة إسطبلات للخيل من أيام الحكم الأردني، وكانت المعاناة الكبرى تكمن في استخدام الحمام، فقد وضع في كل غرفة كردل يقضي المعتقلون فيه حاجتهم، فيه وضع مقرف ومزر ومهين، خاصة لي كمعاق بحاجة إلى مساعدة الآخرين، إضافة إلى التعامل الجلف والإهانة والضرب بمزاجية الجنود الذين يتولون الإشراف على المعتقل. بعد أسبوعين تقريبا نقلت مع مجموعة من المعتقلين من ضمنهم أخي المرحوم عادل ابو علان إلى معتقل النقب الصحراوي في ظروف قاسية جدا، حيث أن المعتقل مكون من مجموعة من الخيام محاطة بسواتر رملية عالية تحجب الرؤية باستثناء مساحة تضم مجموعة الخيام، ومحاط بزوج من بالأسلاك الشائكة بينهما ممر صغير يستخدمه الجيش لحشر المعتقلين أثناء عمليات التفتيش. كانت أرضية المعتقل رملية مليئة بالحصى تعيش فيه العقارب والحشرات، كنا جميعاً محرومون من زيارة الأهل أو الحصول على مصروفات للكنتين في ظل تحكم طغمة عسكرية في إدارة السجن، بقي المعتقل على هذه الحال إلى أفرج عني بتاريخ 28 /2 /1991 بعد أن أمضيت مده حكمي كاملة. بعد حوالي سبعة شهور وفي 27 /9 /1991 تم اعتقالي مرة أخرى على خلفية اعترافات من مجموعة من الشباب المعتقلين على خلفية مشاركتهم في الانتفاضة، حيث وجهت لي تهم تنظيم أشخاص للمشاركة في الانتفاضة والكتابة على الجدران وتوفير مواد تحريضية وتوزيعها، وقد حكمت علي المحكمة العسكرية بأربعة شهور ونصف، نقلت بعدها إلى معتقل النقب الصحراوي، حيث كان قد افتتح قسم جديد (قسم ه)، وبعد أمضيت فترة الحكم رفضت المخابرات الإفراج عني، حيث تم احتجازي مدة عشرين يوما أخرى احترازيا (5 /2 /1992)، وأعيد اعتقالي مرة أخرى إداريا في 11/11/1992 لمدة خمسة شهور أخرى، وتم نقلي إلى معتقل النقب الصحراوي، حيث التقيت هناك بعدد من الإخوة، منهم محمد العكيمي الذي كان بمثابة المسؤول الإداري عن القسم، وقد وجدت أن الحالة في المعتقل قد تحسنت قليلا ولكن المعتقل ظل تحت إدارة الجيش، وقد أفرج عني بتاريخ 17 /3 /1993 بعدها التحقت بالعمل في نادي الأسير الفلسطيني، الذي كان يضم في داخلة مكتب اللجنة اللوائية لحركة فتح وبقيت فيه حتى إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى أن تم تفريغي على قوى الأمن الفلسطيني إلى أن تقاعدت عن العمل عام 2008.