لم يكن يوم التاسع من أبريل 2003 يوما عاديا في تاريخ العراق, في مثل هذا اليوم شاهد العالم سقوط التمثال في ساحة الفردوس ببغداد, ورأى مجموعة من البشر المدربين ترحب بدخول القوات الأمريكية, وتناقلت وكالات الأنباء في كل مكان أعمال النهب والسلب التي تعرضت لها المؤسسات العراقية, وكأن المواطن العراقي يعبر عن فرحه بزوال نظام ومجيء المحررين الجدد.. ولعل وصول الحاكم العسكري (غارنر) لبغداد، والاستقبال الذي حظي به كاستقبال الفاتحين قد جعل الكثيرين أو المخدوعين بالميديا الأمريكية يصدق أن الشعب العراقي قد استقبل هؤلاء بالورود، وهذا ما دفع بوش لأن يعلن نهاية الأعمال القتالية في 15 ,2003 لكن المقاومة العراقية التي انطلقت بشكل مذهل, جعلت الإدارة الأمريكية تعيد حساباتها ليس تجاه العراق فحسب، بل في نجاح أو فشل مشروعها في المنطقة عموما, ومع تزايد العمليات النوعية والانكسار الأمريكي على أبواب الفلوجة وعدد من المدن العراقية, فكرت الإدارة الأمريكية بأساليب مختلفة لكسر إرادة الشعب العراقي، وأطلقت عددا من المصطلحات لجعل الناس تنفض عن المقاومة كالإرهابيين ومثلث الموت وبقايا النظام السابق, ومن ثم عملت على تمزيق اللحمة العراقية الوطنية بالمصطلحات التي ظهرت بمؤتمر لندن الذي سبق الغزو، كالفدرالية والتسميات الطائفية التفتيتية كالشيعة والأكراد والعرب السنة أو ما عُرف بمجلس الحكم بالمحاصصة الطائفية, وكذلك الدفع بالبلاد إلى أتون الحرب الأهلية، لاسيما بعد تدمير مرقدي الإمامين العسكريين رضي الله عنهما في سامراء.. ورغم ماعاناه الشعب العراقي من تقتيل وتهجير داخلي وخارجي، إلا أن المقاومة العراقية استمرت في تذويق المحتل الويلات، وامتدت آثارها لتضرب الاقتصاد الأمريكي في الصميم، بسبب المجهود العسكري الهائل الذي تكبدته القوات الأمريكية في العدة والعتاد, وصرف الأموال الطائلة لشراء الذمم.. وكذلك وجهت ضربة لإدارة بوش بإزاحة الجمهوريين عن الحكم الأمريكي، وفشل مشروع المحافظين الجدد في إعادة رسم خارطة جديدة للمنطقة, وهاهي الآن الإدارة الجديدة تبحث عن حلول لخروجها من المستنقع العراقي.. بعد ست سنوات على الاحتلال، من المنتصر في العراق؟ المشروع الأمريكي وثقافة المساومة أم ثقافة المقاومة؟..، وهل انتهى المشروع الأمريكي في المنطقة بعد الهزيمة المذلة في العراق..؟ وهل أسست المقاومة العراقية لمشروع وطني عراقي جديد يعيد العراق بلدا واحدا .. أم أن ما خطط له المحتل ومن تعاون معه سيفضي إلى عراق مقسم إلى فئات مختلفة ..؟ جاء الرئيس الأمريكي الجديد باراك حسين أوباما بشعار التغيير, ولعل سيد بيت أسود في بيت ينعت بالأبيض يعد تغييرا في حد ذاته, ولكن هل يعد تغييرا في بنية السلوك الأمريكي تجاه قضايا المنطقة..؟ وهل لمس العرب والمسلمون ذلك بعد مضي أشهر على تبوأ الرئيس لمنصبه..؟ فالعراق الغارق بالدماء والمشاكل نتيجة الغزو، الذي قاده صقور الإدارة المنصرفة مازال تحت الاحتلال ويبدو أوباما متناقضا حيال بقاء أو سحب قوات بلاده الغازية، مخالفا ما ادعاه في حملته الرئاسية. وقضية فلسطين لم يطرأ عليها جديد كما هو واضح في الأفق, وحماية الكيان الصهيوني من أولويات الرئيس, بل إن الحكومة الصهيونية الجديدة لم تذكر أبدا الدولتين ويتحدث نتنياهو عن تسوية مع الفلسطينيين, وفي الحالة الأفغانية رأى الرئيس الجديد أن حرب سلفه ضد ما يسمى الإرهاب هي البند الأهم، وتكمن في محاربة القاعدة وطالبان، وكذلك طالبان باكستان، ومازالت الطائرات الأمريكية تغير على مناطق القبائل الباكستانية، وكأنها منطقة مباحة لا سيادة لباكستان الحليف الأمريكي القديم الجديد عليها..؟ والعلاقة مع إيران والشد والجذب الذي تعودنا عليه في السنوات السابقة، قد خف كثيرا وبات هناك كما يبدو ترتيبات علنية، وليس تحت الطاولة كما حدث في المؤتمر الخاص بأفغانستان, رغم الحديث عن منع إيران من امتلاك السلاح النووي, وهذا ما دعا الأمير تركي الفيصل لأن يصرح أن أمريكا قدمت العراق على طبق من فضة لإيران..؟ ويبدو أن أوباما قد اختار تركيا في أول زيارة له لبلد إسلامي في إشارة ضمنية لإنهاء حالة التخوف من نشوء صراع حضارات كما بشر بذلك منظرو الحقبة السابقة, ولعل مطالبة أوباما قادة الاتحاد الأوربي لقبول تركيا في عضويته تصب في ذلك الاتجاه..؟ وقبل ذلك صرح في براغ بأنه سيسعى لعالم خال من الأسلحة النووية، فهل يشمل ذلك الكيان الصهيوني الذي يمتلك مائتي رأس نووية..؟ والسؤال الأهم هل انتهى مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تبنته إدارة بوش، وكذلك دول محور الشر, والدول المارقة ..