تبحث الكثير من العائلات في فصل الصيف عن أماكن راحتها، فيستهوي بعضها الذهاب إلى شاطئ البحر ويستهوي أخرى قضاء وقت في أماكن معروفة ومشهورة بتقديم الخدمات الراقية. وإذا تحدثنا عن بعضها فإننا ومن دون شك سنذكر درارية مدينة الشواء والتي تستقطب العشرات من العائلات يوميا، فالزائر إلى تلك المدينة يحس وكأنه يدخل إلى مدينة الضباب من كثرة السحب الدخانية المتصاعدة من أعمدة الشواء والتي تدغدغ رائحتها الأنف فلا تكاد مقاومة انتظار دورك ويغشك هواءها النقي فتحس وكأنك بجانب شاطئ البحر، وتريحك الخدمات فتشعر وكأنك في بيتك. البهجة.. النور.. المنار، هي تسميات أطلقها أصحاب مطاعم بيع الشواء على محلاتهم والذين يسعون لتقديم أرقى الخدمات وأحسنها، حسب ما أفادنا به أحد مالكي تلك المطاعم، فيقول ''إننا نشهد حركة غير عادية طوال السنة وبالخصوص في فصل الصيف حيث تفضل الكثير من العائلات قضاء سهراتها هنا''. وعن ما يقدمونه يضيف''نقدم أجود المأكولات وأطيبها وهذا طبعا ليس رأيي ولكن رأي زبائني''. تجولنا داخل تلك المطاعم وما لفت انتباهنا وإعجابنا هو نظافة المكان وجماله، والحركة الدؤوبة للعاملين وطريقة تعاملهم مع الناس، فلا تفارق الابتسامة وجوههم ولا الكلمة الطيبة أفواههم. سمير هو أحد العاملين يقول إنه يحب عمله ويسعى لإرضاء الزبائن والحفاظ على سمعة المطعم. ففي نظره أن العمل المتكامل هو أن يكون الجميع يدا واحدة لتقديم الأفضل والأحسن دائما، ويسانده في الرأي زميله الذي يضيف بدوره أن هذه المطاعم ذاع صيتها فلا بد من العمل والحفاظ على شهرتها. مأكولات طيبة وأسعار معقولة الدجاج المشوي على الجمر، أعمدة اللحم والكبد المشوية وطيور السمان بأسعار معقولة تتراوح بين 40 دج للعمود و400 دج للدجاج، هي طلبات الزبائن الذين وجدناهم هناك وما أكثرهم، فمنهم من أتى من قريب ومنهم من أتى من أبعد المناطق. عائلة أتت من الجزائر الوسطى، يقول رب العائلة السيد كريم إنه يعمل طوال الأسبوع وليس لديه متسع من الوقت للراحة ''لكن نهاية الأسبوع أقضيها هنا في درارية مع عائلتي، فالمنطقة تعجبني وتعجبني أكثر خدمات المطاعم هنا، فالأكل طيب والأسعار طبعا في متناول الجميع''. وتضيف زوجته أنها تفضل الدجاج المشوي على الجمر والذي لا تضاهيه أي نكهة حتى وإن حضرته بنفسها في البيت. كمال وآمال هما عريسان جديدان أتيا من ولاية المسيلة ليمضيا أياما في الجزائر العاصمة، فنصحوهما بتناول شواء درارية وإلا فاتتهما فرصة التمتع، يقول كمال: ''إن ما قيل عن الخدمات المقدمة هنا صحيح ولقد استمتعنا بوقتنا كثيرا وسنعاود الزيارة مرة أخرى، إن شاء الله''. وعن ما سيطلبه من أكل فيقول إن أعمدة الكبد المشوية واللحم المشوي هي ما يستهويه ''ولا أفوت طبعا طبق الحميس''. رائحة الشواء الطيبة التي تعم المكان تستهوي وتجذب العائلات حتى وإن لم يكن في نيتها الدخول، وهو حال عائلة جلال التي أتت من بني مسوس لزيارة الأهل في درارية فوجدت نفسها تتناول العشاء داخل أحد المطاعم، فيقول جلال إنه لا يفوت فرصة الاستمتاع بالشواء حتى وإن لم يكن ينوي ذلك. وإذا أردت الاحتفال بعيد ميلاد أو زواج، فإنك طبعا ستمضي عشاء رومنسيا تعقبه رائحة الشواء كما تقول حياة والتي التقيناها مع زوجها وكانت تمضي سهرة عشاء لاحتفالهما بالعام الأول من زواجهما، يقول زوجها إنهما فضلا قضاء هذه المناسبة خارجا بدلا من روتين البيت. وتضيف حياة وهي تضحك ''أتمنى زيارة هذه المطاعم دوما، فلم أذق أشهى من هذه المأكولات وما الذي يضاهي الأكل المشوي على الجمر؟''. تقول ذلك وهي تستمتع بأكل الدجاج المشوي على الجمر. رقي هذه المطاعم وشهرتها جلب الكثير من رجال الأعمال والشخصيات وأصبحت أمكنة لالتقاء الأحبة والأصدقاء. يقول سيد علي وهو إطار في الدولة إنه يقضي سهرات العشاء دائما في مطاعم الشواء بدرارية، فتعجبه طيبة الأكل والخدمة المقدمة من طرف القائمين على المطاعم. ويضيف أنه يأتي بأصدقائه الأجانب دائما إلى هنا ويعجبهم كثيرا الجو السائد. فضاءات خصصت لألعاب الأطفال انتقلنا إلى مطعم مجاور فوجدنا الأجواء نفسها، عائلات كثيرة، طلبات متعددة ورائحة الشواء تغمر المكان، ولكن ما أثار انتباهنا هو تخصيص هذا المطعم لجناح ألعاب للأطفال حيث لاحظنا راحة الأولياء وفرحة أولادهم، فتقول نادية أم لثلاثة أطفال إنها تقصد هذا المطعم دوما لأنها تجد راحة أولادها فيه بدلا من أن يبقوا لساعات متسمرين على الكراسي. ويقول أمين صاحب 6 سنوات إنه يستمتع عندما يأتي مع والديه وما أعجبه هي الألعاب التي لا يفارقها دوما عند مجيئه إلى درارية. كثيرة هي العائلات التي أعجبتها مثل هذه المبادرات التي يقوم بها أصحاب المطاعم والتي وجدت راحتها فيها، فبدلا من التنقل إلى بلدان أخرى، يقول أحد الزائرين إن درارية هي مثل للراحة والاستجمام. ولم تخل المطاعم من المثلجات التي تعددت وتنوعت. فبطعم الفراولة والشوكولاطة وبذوق الفاكهة الطازجة يتفنن أصحاب المطاعم في صنع المثلجات وتقديمها للزبائن، وبجمال المكان ونقاوة الهواء يتجه الكثير من الشباب للتمتع بأكل المثلجات لنكهتها الخاصة وطيبتها. تقول أميرة التي التقيناها مع عائلتها إنها تذهب هي وأخواتها للاستمتاع بأكل المثلجات فهي ذات نوعية جيدة ويعجبهم الجو العائلي الذي يعيشونه. وتساندها في الرأي عائلة أخرى والتي تفضل دائما أكل المثلجات في درارية. الخيمة الصحراوية كانت حاضرة هدوء المكان وروعة الديكور ورائحة الشاي المنعشة المصنوعة من أيدٍ صحراوية أصيلة وبالتحديد من أدرار مدينة الأصالة والعراقة، يجذبانك للجلوس فيها واحتساء كأس شاي من دون أن تفكر أو حتى تنوي ذلك. زوار كثيرون وجدناهم داخل الخيمة فضلوا الجلوس فيها. وما أحسن من أن يقابلك ضوء القمر وينعشك الهواء النقي ويسحرك جمال الطبيعة، هو إحساس عبر به أحد ضيوف تلك الخيمة. هي إذن خيمة صحراوية مجهزة بأفرشة تقليدية يقابلها صانع الشاي الذي يفضل تحضيره على الجمر. فحرص أصحاب مطعم قمة السطح على نصبها لإشعار الزبائن بالراحة والاستجمام، ونظرا أيضا لما تلاقيه من إقبال وقبول لدى الزبائن، وهو حال بوعلام الذي أتى من بجاية فيقول إنه لا يأتي دوما إلى هذه المطاعم ولكن بمجرد مجيئه تكون وجهته الأولى هذه الخيمة فهو يشعر بالراحة والهدوء وتسره أيضا خفة روح الشباب العاملين بها. هي إذن ليالٍ صيفية رائعة يقضيها كل من أراد الذهاب إلى درارية وأكثر روعة لكل من زار مطاعمها، فلا يمكنه الاستغناء عن أكل الشواء على الجمر أو احتساء كأس شاي أو الاستمتاع بجلسة صحراوية أصيلة يريحك ديكورها ويسحرك هدوؤها.