إسبان ودانماركيون تستهويهم رائحة الشواء وهدوء درارية تعرف مدينة درارية طول أيام السنة، خاصة في فصل الصيف حركة كثيفة وغير عادية، خاصة في الليل، حيث يعج شارعها الرئيسي بالعائلات التي تتوافد من كل جهة إلى هذا المكان لقضاء أوقات ممتعة ومريحة في كنف الشوايات التي تزدحم بها المنطقة والمتسلسلة الواحدة تلوى الأخري على جانبي الطريق الرئيسي والتي استهوت الزوار وجعلتهم يفضلون هذا المكان، مستغلة المساحات الواسعة والنظيفة التي يتمتع بها الرصيف من الجهتين وكذا الشوايات العديدة التي تتربع على مساحات واسعة مستوفية كل مقاييس المطاعم الفاخرة، فكل منها يتكون من جزءين، جزء مغطى والآخر في الهواء الطلق على الرصيف أو على سطح البناية، حيث ينسى المرء نفسه كم من الساعات مكث أمام الطاولة، لما يوفره هذا الفضاء من الراحة والسكينة والهواء النقي الذي يعتبر كذلك ميزة إضافية للمدينة، لكونها تقع في منطقة مرتفعة على مستوى البحر وكذلك خلوها من المصانع المسببة للتلوث. الشواء على الجمر الشهرة التي سحرت الجميع بين الدوافع الرئيسية التي جعلت هذا الكم الهائل من العائلات يتوافد على المنطقة، هو العدد الهائل من الشوايات المتواجدة وبشكل كبير على أرصفة الطريق والتي تتميز عن غيرها من المطاعم بالشواء على الجمر، تتوفر بكثرة ومن شتي أنواع اللحوم، وكذا الكم الهائل من الدجاج المشوي المعروض أمام كل شواية بطريقة تستهوي كل مار أو زائر للمكان، فالشواء هنا وحسب تصريح بعض العائلات يتميز بلذة نادرة نظرا لتولي مهمة الطبخ والشواء أشهر الطباخين المختصين في هذا الميدان. وإضافة الى الشواء على الجمر والدجاج المشوي، تتوفر هذه الشوايات على مختلف أنواع المثلجات التي تتلذذ بها العائلات خاصة في ظل الأجواء الرومانسية التي تسود القاعات غير المغطاة من الشواية وكذا الانتشار الواسع للموسيقى الهادئة المتسربة من كل جهة، وزيادة على ذلك الأسعار التي تعتبر منخفضة نوعا ما مقارنة مع الأماكن السياحية الأخرى التي تقل جمالا عن هذه المنطقة. طباخو الشرق في المرتبة الأولى وفي جولة "النهار" إلى مدينة درارية واستفسارنا عن استقطاب هذه الشوايات لهذا الكم الهائل من العائلات، أرجع محدثونا السبب الى اللذة التي تميز الأطعمة المقدمة، خاصة الشواء على الجمر. وفي سؤالنا عن هوية هؤلاء الطباخين المشرفين على الطهي هنالك لاحظنا أن أغلبية الطباخين من الشرق الجزائري، خاصة من سطيف وميلة وجيجل المعروفين بتألقهم في هذه المهنة، حسب تصريح العديد من العائلات، وكذا مالكي هذه الشوايات، حيث أكد لنا واحد منهم وهو من الجزائر العاصمة أن أغلبية الطباخين من الشرق. كما أكد لنا كذلك مالك شواية "البهجة" و "المنار" أن كل عمال المطبخ من ولاية ميلة، ليس لأنه من نفس الولاية وإنما للإتقان التام لهذه الحرفة من طرف هؤلاء. ومن جهة أخرى وعند سؤالنا لعدد من طباخي هذه الشوايات عن الطريقة التي يعتمدونها في طهيهم، أجاب الكل بإلزامية التفاني في العمل وإعطائه اهتماما أكبر. أما اللحم المخصص للشواء فلا بد أن يكون جديدا وطريا، إذ يؤكد لنا أغلبيتهم أن مالكي هذه الشوايات لا يشترون اللحوم من الأسواق بل يشترون الماشية حية ويقومون بذبحها، وعادة ما يحرصون على أن تكون من المناطق الجبلية لتميز لحمها بالجودة واللذة الكبيرة التي تميزها عند طهيها الناتجة عن الأعشاب الطبيعية التي تتناولها هذه الماشية. العائلات تفضلها على البحر وفي لقائنا مع كثير من العائلات عن عدد المرات التي تردد فيها على هذا المكان، قيل لنا إن بعضهم يزور هذه الشوايات مرة في الأسبوع، ومنهم من يزورها مرتين أو أكثر، كما صرحت لنا إحدى العائلات بأنها تأتي إلى هنا ولا تذهب الى البحر مفضلة هذا المكان لاتساع رقعته ولجمال منظره وكذا النظافة والأمن الذي يميز هذه المنطقة، فهذا الهدوء والهواء المنعش -حسب تعبيرهم- لا يوجدان في البحر الذي يكثر به الكلام الفاحش والموسيقى الصاخبة والفوضى، وكذا التنظيم الجيد في الجهات المخصصة لركن سياراتهم. وبالإضافة الى كل هذا الاحترافية العالية التي يتمتع بها عمال هذه المطاعم في طريقة استقبالهم وجلبهم للزبائن بالسهر على راحتهم وتلبية كل حاجاتهم. وقد عبرت العائلات عن مدى إعجابها بهذا المكان بقولهم "أين تجد هذا الجمال والجو الرومانسي تحت نور القمر وإطلالة النجوم من جهة ولذة الشواء وبرودة الأيس كريم من جهة أخرى، إضافة إلى الأجواء العائلية الحميمية التي تخيم على المنطقة بأكملها، هذا هو إحساس تلك العائلة التي وجدناها بشواية "الجزيرة" والقادمة من سطيف لقضاء العطلة الصيفية هنا بالجزائر العاصمة، حالها حال كذلك تلك العائلة الكبيرة المقيمة بالهجرة والتي قدمت إلى الجزائر لزيارة الأهل والأقارب والتي صرحت لنا بأنها في كل مرة تدخل فيها الى الوطن إلا وتزور هذه المنطقة لتذوق لذة الشواء على الجمر والدجاج المشوي. وللأطفال حظ فيها.. وليتمكن أصحاب هذه الشوايات من استقطاب كل الفئات خصصوا أماكن للتسلية واللعب خاصة بالأطفال الصغار على غرار ما وجدناه في شواية "المنار الكبير" من لعب، حتى أصبح المكان شبه حديقة تسلية تعج بالأطفال الصغار مع عائلاتهم، وهذه النقطة بالذات ساعدت الكثير على الإقبال الكبير للعائلات من شتي المناطق تحت إلحاح أولادهم على المجيء إلى هذه الحديقة الخاصة. كما صرحت لنا إحدى العائلات التي وجدناها بهذا المطعم، والقادمة من بواسماعيل ملبية طلب طفليها اللذان ألحا على المجيء وهذا بعد قدومهم إلى المكان العام الماضي. وفي نفس السياق وبعيدا عن الشوايات وجدت العائلات نفسها جد مرتاحة مع خدمات البيع الأخرى المقدمة بمدينة درارية، على غرار السوق الممتاز "أريج" التي تحوي كل أنواع الألبسة لمختلف الأصناف وكذا مختلف التجهيزات المنزلية والأثاث، حيث لا لا تكاد تكون هناك عائلة قدمت إلى مدينة درارية إلا وزارت هذا "السوبر مارشي"، واقتنت منه بعض اللوازم، وبهذا تكون هذه المدينة قد جمعت بين كل العوامل المساعدة على توفير الراحة والاستمتاع بأوقات العطلة لكل الوافدين إليها. إسبان ودانماركيون تستهويهم رائحة الشواء وهدوء درارية تشهد بلدية درارية إقبالا كبيرا على مطاعمها المتخصصة في كل أنواع اللحوم المشوية، مراودة ذوق المواطن العاصمي، الذي أضحى يتوافد على هذه المحلات بصفة كبيرة، وخاصة في أوقات العطل الأسبوعية وفي الفترات المسائية التي تشهد حشودا كبيرة على هذه المطاعم ومن مختلف بلديات العاصمة. المثير في الأمر وما شد انتباهنا خلال الجولة التي قادتنا إلى معايشة ليالي درارية منظر الأضواء الجميلة والطاولات المصفوفة على أرصفة الشوارع، ما أعطى المكان جوا بهيجا يدعو للارتياح، مع انتشار رائحة الشواء التي تنبعث من جميع المحلات على طول شوارع بلدية الدرارية الواسعة، خلافا لباقي بلديات العاصمة التي تنام عند حلول أولى ساعات المغيب. العائلات التي حاورناها أبدت ارتياحها الكبير للخدمات المقدمة والجو العائلي الذي يميز أمسيات هذه البلدية التي أبى قاطنوها إلا تحويلها إلى بلدية ساحلية وسياحية رغم افتقارها للشواطئ، على الرغم من بعض النقائص التي أزعجت العديد من العائلات التي تحبذ السهر في مثل هذه الفضاءات العائلية التي لا يجدون بديلا عنها، من بينها مشكلة المواقف العمومية التي تسبب إزعاجا كبيرا للوافدين على مطاعم درارية. ومن المفارقات التي وقفنا عليها لدى زيارتنا لهذه المطاعم وجود عدد كبير من الأجانب، إسبان، فرنسيين ودانماركيين، وعائلات من الجالية الجزائرية، الذين أبدوا ارتياحا كبيرا للخدمات المقدمة وللطعام الذي يتناوله في كل مرة في هذه المطاعم، ما أعطى لهذه المطاعم صفة العالمية دون منازع. أصحاب هذه المطاعم بدورهم قالوا إن المواطنين مرتاحين للخدمات المقدمة لهم وأنهم يعملون قصارى جهودهم للمحافظة على السمعة التي اكتسبتها المنطقة.