سؤال طرحته الكاتبة اللبنانية شريفة القياس.. هي التي لم لا تملك شيئا أكثر من حدقتين واسعتين... ليس لها شيء آخر.. لكنها كانت مهووسة بعمل شيء لم يسبقها إليه أحدا غيرها.. لطالما عذبها هذا الطموح.. وملأتها هذه الأحلام غضبا من حياتها.. كانت الصغرى في أسرتها.. لكنها كانت بائسة وحزينة.. نجاح أختها يشعرها بالعذاب أكثر.. كانت على عكسها.. جميلة وجذابة وناجحة سيما هي شاحبة وباردة وفاشلة في كل شيء ما عدا الحدقتين الواسعين ذلك ما جعلها تقرر الرحيل والابتعاد عن تلك المنغصات تملكها إحساس عابر بالرغبة في الهروب.. إنها في الطائرة.. هربت من المكان وها هي تهرب من أفكارها.. هناك أشياء كثيرة يجب ألا يفكر فيها الإنسان حتى لا يتعب لحظته.. تابعت المضيفة بأحلامها.. ورأت نفسها بذاك الطقم الأنيق وذاك الوجه المشرق وتلك الابتسامة الأنيقة... رأت نفسها تلف العالم وتلف الوجوه والجنسيات تتصفح العالم يوميا.. وتنعم بتنوعه وجماله وفجأة هجم عليها وجه أبيها.. أكلها صراخه ورفضه.. مضيفة في طائرة؟.. يا للمهزلة يا للعار.. زاد ألمها وغرقت في الصمت تكابد صياط الرفض التي تعودت ألمها.. سألها أحدهم وكأنه لم يتفطن لعلامات الوجه البادية على ملامحها.. أأنت أمريكية؟ فكرت قد ألا تجيبه ظنته يتطفل عليها بأية طريقة بأي كلام.. لكنها عادت وأيقنت أنه لا يقصد سوى قطع الوقت بالحديث واستغلال تجاورهما طوال فترة السفرة. - لست أمريكية.. أجابته... وفتح باب المحادثة بينهما.. حطت على أرضية المطار والشيخ لازال يواصل خيط كلامه وانطباعاته على فرنسا وأهلها وهي تعقب وتلاحظ كيف لشيخ مثله كل هذا الرصيد من الأحلام ومن حب الحياة.. - الخروج أوشك من المطار والشيخ لا زال مسترسلا في حكاياه ويسألها مجدا - هل أنت فرنسية.. برأسها قالت له: لا وبصمتها أجابته أنني من بقعة أخرى من العالم.. بقعة هربت منها بعد أن أحالتني حطاما.. يلح الشيخ في سؤاله وتلح هي في صمتها.. خرجت أخيرا للغربة.. لبلد لا تعرف فيها أحدا.. تعرف أنها ستجري امتحانا ما.. ولم تكن تعرف إن كانت ستنجح في إغواء الأمل مجددا وجعله مرافق لها.. هل ستكمل دراستها.. هل ستعمل.. هل ستحب.. هل ستعرف طريقها وتحدد وجهتها التي ضيعتها ذات وطن وذات زمن.. الإجابة ضمنتها روايتها ''البصمات'' الصادرة عن منشورات ''eLGA'' سنة 1999.