شابة عازبة تركت الأهل والأصدقاء واتخذت من قرى الطفولة المسعفة مسكنا وعائلة لها، بعد أن تعلقت بأطفال ربتهم من دون ''أف'' أو ''أه'' حتى أصبحت تنادى ''أمي''. هي فضيلة من الغرب الجزائري 30 سنة، أحبت أن تكون أما لأطفال قست عليهم الحياة وتخلى عنهم الأهل الحقيقيون، فلم يتعبها بكاء الصغير ولم ترهقها شكوى المراهق ولم تبخل بحنانها على بناتها الستة ولا حتى على أطفال القرية الآخرين. حقيقة لابد أن يعترف بها كل شخص زار وتكلم وعاش مع امرأة وهبت نفسها وحياتها للطفولة المسعفة بأن لا شجاعة ولا قوة ولا حنانا فائضا مثل ذلك، ولهذا وجب إحترامها وتقديرها وتكريمها في المناسبات وفي غير المناسبات من قبل إدارة القرية نفسها وحتى من قبل المجتمع لأنها احتضنت أبناءا تخلى عنهم ذات يوم الأهل ووجدوا في الشارع بمستقبل مجهول لا يعرف مصيرهم أحد، ضف إلى ذلك صعوبة التوجيه والتربية لأطفال تختلف وجهة كل واحد منهم وحتى طبعه وثقافته واحتياجاته اليومية التي تختلف من عمر إلى عمر آخر، ورغم ذلك تبق تلك الأم تحافظ على ابتسامة وجهها وحنان قلبها ورأفتها، حتى لا تشعرهم بأي نقص يمكن أن يجول في خاطرهم، أو إحساسهم الفظيع بأنهم وحيدون في هذه الحياة. الأم هي التي تربي ماشي لي تولد هكذا قالتها ''فضيلة'' وهي تروي لنا بداية مشوارها في القرية كيف كانت صعبة خاصة وأنها لم تجرب دور الأم في حياتها فتقول: ''لا أخفي عليكم أحسست في لحظة بمسؤولية كبيرة وعبء أكبر، وخالجني شعور أنني قد لا أستطيع أن أكون أهلا للقيام بهذا الدور، وما أصعبه من دور، فتلقيت تربصا لمدة عامين وكانت أصعب فترة في حياتي وأقساها حيث عمدت إدارة القرية على ذلك لتختبرني وتختبر قدراتي في مدى تحمل تربية الأطفال وصبري عليهم، وكنت أبقى لوحدي مع رضع أنهض الصباح الباكر لأغير لهم الحفاضات وأطعمهم وأسهر الليل حتى أني كنت أنام في ساعة متأخرة من الليل، بالإضافة إلى أطفال آخرين ولكل واحد منهم احتياجاته الخاصة. وبالرغم من هذا كله صبرت عليهم وأحببتهم ولم أستطع الابتعاد عنهم، لا لشيء سوى أنني أملك في قلبي حنانا زائدا وحبا لجميع الناس وهذا ما جعلني أكمل مشواري في القرية، فتلقيت تشجيعا وتكريما من قبل إدارتها لأني جاوزت الإمتحان الصعب بنجاح. وبعد تربصها استقلت فضيلة وأطفالها العشرة في بيت متكون من ثلاثة غرف للأطفال وغرفة للأم مهزة بجميع لوازمها، حيث حرصت على أن يكون جو البيت حميما ذا ديكور أصل نابع من نطقة مولدها ''وهران''. باتخاذها للصالون المغربي ديكورا لغرفة الجلوس إضافة إلى ستائر النوافذ، ولم يخلو بيتها من النباتات الطبيعية والورود التي كانت متواجدة في كل ركن من أركان البيت. وحرصت فضيلة على تربية أبنائها على النظام داخل البيت والإلتزام بقواعد التربية، فخوفها عليهم هو الذي جعلها تحرص على كل صغيرة وكبيرة حتى لا تحس يوما من الأيام بتقصيرها نحوهم، وربتهم على تعاليم الدين حتى تضمن أخلاقهم، ففي رأيها ليس أحسن من ديننا في تربية الأبناء. أيمن، زكريا، مروان... هم فلذات كبدي بحنان الأم وشغفها ولهفتها على أولادها تروي فضيلة قصة أبنائها الواحد تلو الآخر، فلكل قصته، ولكل واحدة من بناتها حكايتها، أين شاءت أقدارهم أن تكون فضيلة المحبة والمسامحة وذات القلب الكبير ''الوالدة المطاعة'' والمحبوبة عند الجميع، فيحزنون عند ابتعادها عنهم حتى ولو لبضع الكيلومترات، ويفرحون عندما تكون هي سعيدة فيحضرون لها المفاجآت والهدايا. ولا ينسون عيد مولدها، ولا عيد الأم من كل سنة. تبتسم وتضم إلى صدرها أيمن صاحب الثلاث سنوات والذي ربته وعمره 6 أشهر. وما أصعبها تربية تقول: ''الإرادة والحب هما اللذان ساعداني في تربية أيمن رغم صعوبة ذلك والتعب الذي عشته في تلك الفترة والحمد لله وأنه كان صغير السن ويحتاج للرعاية أكثر من إخوانه الآخرين، والحمد لله اليوم هو في الحضانة وتخطى المرحلة الأولى من عمره وحالة حال زكريا صاحب 3 سنوات أيضا. وتحكي لنا عن وسيم 7 سنوات من عمره، ربته وهو صاحب العامين والنصف، فتقول في أبنائي كلهم وسيم هو كثير الشغب والمرح ودائما يضحكني وأنا أحبه كثيرا وهو اليوم يدرس في الثانية ابتدائي بعد أن وجدته صغيرا في السن. وأراجع له دروسه دوما في الليل لأني أحرص على نجاحه وهو في المراحل الأولى من الدراسة. أما مروان والذي تحصل على شهادة التعليم الابتدائي هذه السنة فهو خجول وقليلة الحركة، خاصة في البيت، لكنه أفرحني كثيرا بنجاحه وأقمت له حفلة مع باقي أصدقائه. وفي حديثنا معها عن بناتها تقول: ''تربية البنات مسؤولية كبيرة ولا بد من شجاعة لذلك خاصة وأنهن كلهن مراهقات ويحتجن الدعم أكثر من الذكر، ولكن يبقين دائما يسعين لإسعادي وراحتي، فرشا ومنال وحبيبة همهن الوحيد هو رؤية البسمة في وجهي، ولا أنسى يوم عيد ميلادي أين حضرن لي مفاجأة لن أنساها مدى حياتي، حيث أحسست وقتها بشعور لم يواردني من قبل وحلمي الوحيد هو أن أزوج ملاك وشروق صاحبتا 18 عاما، وأن أراهما في بيتهما سعيدتان. عن بعدها عن الأهل وابتعادها عنهم تقول أن كلمة ''ماما'' هي التي تنسيني ذلك وإلا لما استطعت أن أكمل مشواري. وتبقى مثل فضيلة الكثيرات اللواتي ضحين بشبابهن من أجل سعادة هؤلاء الأطفال. فتحية لكل أم وهب حياتها للطفولة المسعفة.