من جربها يعرف جيدا ذلك... السائد في واقعنا الثقافي المزري أن تنتهي هذه العملية بالنسبة لغالبية كتابنا ومبدعينا مهما كتبوا وألفوا وتعبقروا أن يخرجوا بحصيلة مفجعة.. كاتبنا الكبير واسيني لعرج مثلا لم يوقع أكثر من ثلاث نسخ من كتاب ''الأمير'' الذي أبدع في تأليفه وتحصل به على عدة جوائز في عملية البيع بالإهداء التي نظمتها على شرفه مكتبة العالم الثالث بالعاصمة منذ مدة قصيرة، بوكبة الشاعر المتفرد لم يكن حاله أحسن من حال سابقه حينما وقع كتابه الأخير ''مزاج لأجنحة الذئب'' .. يا لبؤس من يكتب في هذا البلد.. يا حسرتي على الذين يركضون وراء وهم أن يأتي يوم تصبح فيه مبيعات كتبهم بالآلاف والملايين ويصبح أسمهم متداولا في كل وسائل الإعلام ولا يفرغون من تلبية التنقلات من بلد لآخر ومن مؤتمر لآخر.. لا أحد من المصابين بهم الكتابة غافل عن هذه الحقائق المرة .. ومع ذلك تعلموا بقوة الواقع وقوة اليأس أن يعيشوا ويكتبوا خارج شيء اسمه اليأس.. خارج شيء اسمه رواج، انتشار، شهرة، أضواء بشكل ما.. كل كاتب يحتمي بقناعة ما حتى يبقى على قيد الكتابة أي على قيد الحياة بالنسبة له... لعل هذا الواقع المر هو الذي يجعل من الإنسان كاتبا، وهذا الفشل هو الذي جعله ينجح في التشبت بتلابيب الكتابة... منذ أيام خضت ولأول مرة تجربة البيع بالإهداء باقتراح من مكتبة القرطاسية بالعاصمة... ومثلى مثل غيري ممن يعيشون حالة هذا الموات المفروض عليهم كقدر ومن المنفيين في الطرف الآخر من عالم ياسمينة خضراء وآسيا جبار وغيرهم ممن تخموا بالشهرة وتعبوا من الأضواء والمقروئية مع احترامي لجميعهم.. لم أبد تفاؤلا ولا ترحابا كبيرا بالحكاية.. لكني قبلت العرض من باب التجريب.. والفضول أيضا واعتبرت العملية كمقياس حرارة لدرجة جدوى كتاباتي في الوسط الثقافي.. تغاضيت عن كل المعطيات المثبطة التي تعج في رأسي .. وطلبت من الناشر أن يزود المكتبة صاحبة الشان ب 50 نسخة على الأقل؟ ضحك علي الناشر أولا وسخر مني صاحب المكتبة بعده.. 50 نسخة يا مدام؟ أنت تحلمين.. كنت أسمعه بلا تأثر لا أدري لماذا ربما لإصراري على خوض المغامرة.. وقد تكون للنتيجة الضئيلة التي تحصل عليها واسيني لعرج سببا في تزودي بالشجاعة لخوض التجربة ... 3 توقيعات كانت كل نصيب كاتب كبير مثله .. ووفق هذا المعطى يكفيني توقيع واحد يعتبر نتيجة معقولة بالنسبة لي.. وبيني وبينكم ضمنت مسبقا أكثر من توقيع.. لذلك أقبلت على العملية مملوءة بالثقة والاطمئنان... وكما يجلس كبار الكتاب جلست وكما يمضي كبار المبدعين أمضيت.. وهجمت على المسجلات والميكروفونات والصحافيين والمثقفين والمعجبين والمارة والفضوليين.. يا إلهي أنا في حلم أم في عالم ما؟ ما هذا يا زهرة ديك؟ لم أكن أعرف أنك معروفة لهذه الدرجة همس لي صاحب المكتبة وعيناه تلمعان غبطة بالحدث الهام الذي يجري في مكتبته، وطاله هو الآخر جزء من أضواء الصحافة.. إيه يا زهرة ديك هذا يومك أين أنت يا أحلام مستغانمي لترين هذا الذي يحدث لي في غفلة منك؟ أعرف أن الكل الآن متشوف لمعرفة الحصيلة ومتحرق لمعرفة :كم كان عدد مبيعاتك وكم وقعت من نسخة يا زهرة؟ الصبر.. لن أخبركم قبل أن أقول لكم ما قاله لي صاحب المكتبة التي احتضنت حفل التوقيع :'' تعرفي يا مدام أحسن عملية بيع بالإهداء نظمتها مكتبنا كانت لابن مولود فرعون الذي وقع 30 نسخة عن الكتاب الذي ألفه عن أبيه ..وبلا أي ''زوخ '' وبقدرة قادر حطمت الرقم القياسي بتسجيل 31 بأصبعي هذين.. قولوا معي : الله يبارك نسيت أن أذكر لكم أن الكتاب المقصود بعنوان ''قليل من العيب يكفي''.