التاريخ الابداعي زاخر بالانتحارات الشهيرة والتي بقيت محافظة على غموضها وسرها كأنما لتزيد من ألقها وسحرها وفتنتها الإبداعية .. آخرها انتحار نيكولاس تيد هيوز ابن الشاعر الشهير هيوز الذي أرجعه المحللين النفسانيين الى الاثر الرجعي لصدمة وفاة امه منتحرة ، اشتدت كابته لمصير امه المؤلم وتحميل ابيه مسؤولية انتحارها بسبب خياناته المتكررة فوضع حدا لعذاباته وغادر الحياة منتحرا .. الموت الغامض المفاجئ طال كتابا وشعراء عالميين كثر منهم شاعر الثورة البلشفية فلاديمير مايكوفسكي صاحب ''غيمة في بنطلون '' الذي فضل أن يضع حدا لحياته بطلقات من مسدسه داخل غرفته عندما كان رفقة حبيبته قبل ذلك قال جملته الشهيرة '' زورق الأحلام اصطدم وتحطم '' لعل موته الفعلي كان منذ كتابته هذه الجملة . الاخصائيين النفسانيين والمتابعين لحياة مشاهير المبدعين والفنانين لم يحسموا بعد إن هناك علاقة بين الكآبة والعزلة التي عادت ما تصيب هاته الفئة من الناس والفعل الانتحاري والموروث الجيني وبين إقدامهم على فعل الانتحار؟ هل ثمة فعلا مثل هكذا علاقة ؟ سؤال لازال يشغل المتابعين لمن تدفعهم قوة اليأس والإحباط الى الإقدام على الانتحار، والتاريخ الإنساني مملوء بحالات انتحارية هزت الدنيا وأذهلت الناس آخرها حادثة انتحار ابن الشاعر الشهير تيد هيوز الذي انتحرت زوجته سيلفيا بلات سنة 1963 تاركة ابنها في سنته الأولى .. انتحرت الأم ومرت السنون ليتبعها الابن مخيرا الانسحاب من الحياة على أن يستمر في مكابدة جرح أبى أن يبرأ وألم أبى أن يهدأ .. هل غلبته الكآبة وحزن الفراق أم هي مسألة جينات ؟هل هو خيط وراثي لا يتوقف عن جر سلالة تلو السلالة نحو الكارثة ..؟ علماء النفس لا يستبعدون أن يقدم فرد أو أكثر على الانتحار إذا ما كان ينتمي إلى عائلة عاشت حالات انتحارية في وقت ما . .ومن العلماء من يرجع الإقدام على الانتحار إلى أن الفرد قد تتقوى كآبته ويشتد حزنه ويأسه حد إغراق نفسه في بئر الفناء ليتخلص من معاناة وشقاء لازماه طويلا وماعاد يقدر على تحملهما .. ولعل هذه من أسباب انتحار ابن الشاعر المذكور ، لعل خيبته الكبيرة في الثورة والحب تكفلت بزجه في ثقب النهاية . و لكن هل ينتحر المثقف فقط بقتل نفسه أم أن هناك انتحارا آخر بأن يتملق الكاتب و يتزلف و يبيع قناعاته بعرض من الدنيا زائل كالمال و المنصب و إرضاء الآخر ألا يعد هذا موتا. و هنا لست أدري لماذا يلح عليَّ قول المتنبي: من يهن يسهل الهوان عليه * ما لجرح بميت إيلام