ما إن صفر حكم المباراة الفاصلة بين المنتخبين المصري والجزائري في الخرطوم بفوز الجزائر وتأهل منتخبها الكروي إلى نهائيات جنوب إفريقيا العام القادم، حتى تحولت النخبة المصرية ممثلة في رجال إعلامها وكثير من سياسييها ورياضييها ونوابها إلى ألسنة سوء تكيل كل نقيصة وشتيمة للجزائر تاريخا وثقافة ونظاما وشعبا، في منظر وصورة ليتها كانت حين كانت لبنان قبل ثلاث سنوات وغزة قبل سنة تدك بالفسفور الأبيض من قبل اليهود بالأصالة ودول ما يسمى بالاعتدال العربي التي باعت كل القضايا العربية المصيرية في سوق النخاسة الدولي بأثمان بخسة لا تساوي حتى ثمن تقبيل مومس في شوارع بانكوك. والغريب في الأمر أننا نحن هنا في الجزائر ندرك تمام الإدراك أن ما يقوم به هؤلاء المأجورين والمأمورين من قبل النظام المصري الذي كان براهن على استغلال التأهل بكل الطرق إلى جنوب إفريقيا من أجل ضمان انتقال سلسل للسلطة وتوريثها إلى جمال مبارك نجل الرئيس المصري، والتي تعقدت بل وقبرت في ملعب أم درمان من قبل محاربي الصحراء، قلت ندرك أن هذا ليس موقف الشعب المصري الأبي، كما أنه لا يمثل صوت الثمانين مليون مصري، المغلوب على أمره، إلا أن حملة الإساءة المصرية المجنونة ستعمل عملها في خلخلة الروابط القوية التي تجمع الشعبين الشقيقين بعيدا عن المن والأذى وعقدة التفوق والمنافسة غير الشريفة. وكنا ننتظر من الإخوة المصريين ككل مرة عقب مباريات الفراعنة تحليل ومناقشة الأداء، لمعالجة الثغرات وتحديد الأهداف المستقبلية في المنافسات المتبقية، إلا أنه في هذه المرة تم الانتقال نحو مستوى غير مسبوق من الإهانة والاستخفاف بالجزائر بكل ما تحمله من مضامين، فتوحدت كلمات أبناء الرئيس المصري لاسيما علاء مبارك، وجل الفنانين المصريين ''الرقاصين في المستشفيات''، بالإضافة إلى المغنيين والإعلاميين وقدماء الرياضيين على وصف الشعب الجزائري بالإرهابي والمرتزق والمعقد والعنيف وناكر الجميل، عارضين صورا للفيديو مفبركة تظهر الجزائريين ملوحين بالسكاكين ومهددين مدعين أن هذه الصور التقطت للجزائريين في أرض السودان الشقيق رغم اختلاف الطبيعة ولباس من روجوا لهم أنهم جزائريون، ليلحوا جميعا على ضرورة طرد السفير الجزائري من القاهرة عبد القادر حجار، وضرب الجزائر كما يقولون ''على قفاها'' وكما قالها علاء مبارك الذي قال بالحرف الواحد أن الشعب الجزائري معقد وإرهابي ومرتزق بعدما أجلس ''عنتر'' يحيى الفراعنة على الأهرامات. وربما أغاض إخوتنا المصريين وجمال مبارك وشقيقه علاء أن مسجل هدف إقصاء المصريين من تأشيرة الذهاب نحو جنوب إفريقيا، ومعرقل الانتقال السلس في توريث السلطة في مصر اسمه ''عنتر''، وربما يحمل هؤلاء الذين يدعون تمثيل الشعب المصري الشقيق في مخيالهم عن ''عنتر'' ما يضر ولا يسر، ولا يستغربن أحد في قابل الأيام إذا جمعتنا مناسابات رياضية أخرى من المصريين سيطلبون من الاتحاد الدولي لكرة القدم إقصاء كل لاعب يحمل اسم ''عنتر'' لأنه اسم غير ''كويس'' واسم حرب، بل اسم إرهابي وهمجي وعنيف يهدد مبادرة السلام العربية، ومعاهدة السلام مع دولة الكيان الغاصب، ويضرب اتفاقيات كامب دايفد في الصميم كيف لا وهم يستدعون السفير الجزائري في القاهرة على مرتين، ثم يسحبون سفيرهم في الجزائر للتشاور، ليهدد وزيرهم للشؤون القانونية أو شيء من هذا القبيل بتصعيد الموقف، وكأن المباراة الفاصلة لعبت في الجزائر. والأغرب من هذا وذاك اتهام نجل الرئيس المصري للجزائريين بحمل غل وحقد منقطعي النظير ضد الشعب المصري، ثم مباشرة بعد ذلك يوجه كل الإعلاميين المصريين والرياضيين والفنانين الذين يظهرون في القنوات التلفزية المصرية العمومية والخاصة جام غضبهم إلى فلسطيني غزة الذين ناصروا الخضر، بالإضافة إلى سب وشتم شعوب تونس والمغرب وموريتانيا وشعوب دول أخرى متهمينهم بكره وبغض الشعب المصري، وكان الأحرى بهم إذا صدق ما قالوا البحث والتساؤل لماذا يكرهنا هذا الكم الهائل من الشعوب العربية وذلك تماشيا مع منطقهم الأعوج والأعرج، هل تتفق جل الشعوب العربية على ضلالة، وهل أخطأ الفلسطينيون وأنكروا جميل النظام المصري وجهود اللواء عمر سليمان في تصفية القضية الفلسطينية، لاسيما وأن عددا معتبرا من الإعلاميين والرياضيين أعلنوها صراحة ''لا مبروك للجزائر''، و''سناصر تل أبيب ضد الجزائر في المحافل الرياضية''، نسوا أو تناسوا أن شهامة الرياضيين الجزائريين في المحافل الرياضية العالمية الذين ينسحبون من المباريات التي تجمعهم برياضيي دولة الكيان الغاصب تضامنا مع القضية الفلسطينية، وتجسيدا للموقف الجزائري من دولة أحفاد القردة والخنازير، في الوقت الذي يتزوج فيه آلاف المصريين بالصهيونيات الإسرائيليات. نحن هنا في الجزائر نعلم علم اليقين أن عقدة ''أم الدنيا'' سكنت في ضمائر كثير من مكونات النخبة المصرية والتي حاولت بكل ما أوتيت من قوة تحويل الأنظار من المباراة والرمي بالكرة إلى الشارع لتحقيق مآرب سياسية ضيقة على حساب كرامة وتاريخ الجزائر وشعبها، إلا أن الجزائريين يبرؤون عامة الشعب المصري الشقيق من هذه التجاوزات الخطيرة، ومن التفكير السلبي وغياب الشجاعة في الاعتراف بالهزائم الرياضية لاسيما وأن بلاغة هدف ''عنتر'' أبرقت بقوة إلى أمثال هؤلاء المهووسين بعقدة التفوق على العرب أن مكان ''أم الدينا'' في البيت، ليذهب ''عنتر'' ومحاربو الصحراء ومعهم الجزائر إلى جنوب إفريقيا بأخلاق ''عنتر'' وسماحة الأمير عبد القادر وحكمة وسمت ابن خلدون.