من يمارس فعل الكتابة لا يمكنه الإفلات من تلك المأزقية الأزلية.. مع كل نص يواجه الكاتب مأزق الفكرة.. مأزق الموضوع.. فهو مطالب على الدوام بالجديد وبالشيق واللافت لاهتمام القارئ.. ما يجعله منخرطا أبدا في التفكير والتدبير: ما الذي سيكتبه هذه المرة؟ ما الذي سيقترحه على هذه الصحيفة أو هذه المجلة أو غيرها من الوسائل الإعلامية..؟ العثور على الفكرة المعالجة أول مهمة وأصعبها بالنسبة للكاتب ، وما الكتابة إلا لباس يلبسه إياها بطريقته وأسلوبه ومهارته اللغوية والتعبيرية.. كل من يكابد همّ الكتابة على وعي بمدى حاجة القارئ للجديد.. لا أكره للقارئ من أن يجد بين يديه نصا مستهلكا، أو موضوعا ممجوجا مكررا.. الناس مفطورون على حب الجديد.. المدهش، الصادم.. وهذه حقائق لا تغيب عن أي كاتب.. لذلك تجده في حالة بحث دائم عما يثير القارئ ويحفزه على مواصلة قراءة النص أو الموضوع أو المقال الذي بين يديه.. وأنا هنا طبعا لا أقول جديدا.. أعرف أن كل هذه الأشياء يحفظها أي كاتب عن ظهر قلم.. ولكن ما يستدعي الغرابة لدى بعض الكتاب أن يلجأوا بحجة التجديد دائما وحب الخروج عن السائد من الكتابات الصحفية إلى كتابة أي شيء حتى وإن كان خارجا عن العرف والأخلاق والذوق العام.. قرأت مؤخرا في إحدى الجرائد العربية لأحد الكتاب المعروفين نصا لا أنكر أنه شدني برشاقة أسلوبه وجمال لغته، لكنه صعقني لدرجة أني حسبت نفسي بصدد مطالعة كتاب ''بورنوغرافي'' صحيح أن فكرة موضوعه كانت استثنائية ولافتة، ''مراسلات غرامية عبر الإميلات بين شابة عمياء وشاب عاشق''، حبكة الموضوع كانت في منتهى الروعة، لكن فائض الجرأة وجسارة التفاصيل جعلت النص يخرج عن حدود الكتابات الصحفية، كان يجدر به أن يضمّن نصه الساخن إلى قصة أو رواية أو أي مؤلف إبداعي لا أن ينشره على صفحات الجرائد ليقرأه العام والخاص.. لا أقول هذا من منطلق فكر منغلق متزمت... وإلا أصبحت ضد نفسي لأني من أنصار ومن ممارسي الكتابات الإبداعية المتحررة، ولكن الأمر يختلف بين التأليف الإبداعي وبين الكتابات الصحفية الموجهة لجميع الشرائح وكل الأعمار.. والمستويات.. لكل كتابة سياقها ولغتها وحدود جرأتها.. لا يمكن للكاتب أو الصحفي أن يتخذ من حبه لتكسير السائد وجذب القارئ ذريعة لأن يتجاوز حدود اللياقة الأدبية ويخدش الذوق العام.