حلمها بالنهوض بمنطقة بوسعادة وتحقيق مشاريع تنموية على الصعيد الاجتماعي لتتواصل في مجالات أخرى، تحاول تجسيده على أرض الواقع بإمكانياتها الخاصة بعدما تملكتها عواطفها تجاه الأشخاص المحتاجين والضعفاء وساقتها إلى الغوص في بحر واسع من الأعمال الخيرية التي لم تقتصر على أبناء منطقتها وحسب بل وامتدت إلى أبناء العاصمة أيضا. أول مايجذبك من السيدة فتيحة لعراف تمسكها بلهجتها التي تفيض أمثالا وحكما المستوحاة من البيئة البوسعادية، ناهلة من معينها الثر الذي لا ينضب ، وأكثر مايعجبك هو اعتزازها بذلك حتى ينتهي إليك أنها محصنة بموروث حضارة بوسعادة. السيدة فتيحة لعراف واحدة من بنات زاوية الهامل المعروف عن أهلها الكرم والجود، لا تدخر جهدها ومالها في سبيل الخير، تجد في مساعدة الأطفال المحتاجين راحة وسعادة كتلك التي تجدها وهي تزور الزوايا، الأماكن التي ترى أنها تلعب دورا هاما في تحقيق التقدم الاجتماعي إذا ما لعبت الدور المنوط بها. لو أردنا تمثيلها أو وصفها، لن نجد من عبارة تليق بها وتعبر حق تعبير عن شخصيتها سوى القول إنها تضاهي من خلال أعمالها وتصرفاتها الإنسانية الساحرة الطيبة التي اعتدنا السماع عنها في القصص الكلاسيكية، تلك المرأة الطيبة التي تظهر في اللحظات الحرجة لمساعدة من هم في حاجة لها، فيكفي أن تطلق العنان للمستها السحرية لتحقق أمنياتهم. وصف قد يرى فيه الكثيرون ممن لا يعرفونها أنه مبالغ فيه، لكن وبمجرد تعرفهم على مجهوداتها ونشاطاتها الخيرية سيحاولون الاجتهاد بدورهم لإيجاد ما هو أبلغ منه. ولدت السيدة فتيحة لعراف وترعرعت بمدينة بوسعادة، حيث تشربت أسمى القيم الأخلاقية التي يشتهر بها أبناء منطقة الهامل، فيكفيها أن تستنشق هواء المنطقة لتتبنى وتفطر على ما وجدت عليه أجدادها وأفراد عائلتها يقومون به من أعمال صالحة تعود بالمنفعة على عامة الناس. فسارت هي الأخرى على دربهم بخطى واثقة وسديدة جرّت فيها معها زوجها وابنها اللذين باتا أكبر داعمين لها في تحقيق هدفها في رؤية السعادة على وجوه الناس. راحتها.. الاهتمام بعالم الطفولة تجيد السباحة في بحر البراءة والطفولة، وتحسن مساعدتهم على البقاء في حيزه وتأخذ بيدهم ليبلغوا أعلى مراتب النجاح، وتحافظ عليهم من كل ما قد يعكر صفاء ونقاء هذا العالم، فبمساعدتها لتلاميذ المدارس من الأطفال الفقراء والمحتاجين تضمن مواصلتهم مشوارهم الدراسي، الذي غالبا ما يقطعه أبناء الفئات المحرومة لتدني أوضاعهم المادية، فيتحمل غالبيتهم المسؤولية في سن جد مبكرة لمساعدة أوليائهم بطرق مختلفة تكون في البداية على أسس مشروعة كمزاولة بعض النشاطات التجارية الموازية، ويلجأون بعدها في ظل تأثير الشارع إلى طرق الكسب غير المشروع والانحراف. تتحدث السيدة لعراف عن نفسها بكل تواضع وكأن ما تقوم به لصالح المحتاجين أمر جد عادي، أو على الأقل كما تراه هي، إلا أن الأشخاص من نوع هذه السيدة أصبحوا في زماننا عملة جد نادرة، فقد تحملت المسؤولية في سن جد مبكرة بإنجابها لابنها الأكبر في آخر يوم من أيام امتحان شهادة البكالوريا، فضحت بمشوارها التعليمي في مقاعد الجامعة بغية توفير الدفء والحنان اللازم لمولودها، فكانت نعم الأم التي أرضعته من أخلاقها ما جعله يكون سندا لها في عملها الخيري، فصار راع لها في أعمالها الخيرية واهتمامها بمساعدة الطبقات الضعيفة من المجتمع. تعرض خدماتها ومساعدتها على مدراء المؤسسات التربوية فتصل مساعدتها إلى من هم فعلا في حاجة لها دون أن تمس بكرامتهم، حيث تطلب من المسؤولين بإعداد قائمة لجميع احتياجات التلاميذ الفقراء على مستوى مؤسساتهم، لتتكفل بتوفيرها شخصيا دون أن تكون لها علاقة أو احتكاك مباشر مع هؤلاء الأطفال كي لا تجرح مشاعرهم، فهم يحصلون على متطلباتهم التي يعجز أهلهم عن توفيرها لهم ويجهلون مصدرها الحقيقي. وكم تكون فرحة السيدة لعراف كبيرة وهي ترى هؤلاء التلاميذ ينجحون ويتفوقون في مشوارهم الدراسي وأنها كانت هي السبب وراء ذلك، فالحصول على الكتب والمآزر والأدوات المدرسية الأخرى لم تصبح همّ التلاميذ الفقراء طالما هناك يد خفية وقلب حنون يرعى شؤونهم ويسهر على توفيرها لهم. التكفل بعلاج المرضى والختان الجماعي ضمن أولوياتها تتصدر جدول أولويات السيدة فتيحة عملية التكفل بالأطفال المرضى، حيث تتولى توفير الأدوية ومصاريف العلاج للفقراء منهم، خاصة إذا ما كان العلاج يتطلب تتبعا على مستوى القطاع الخاص التي ترهق مصاريفه كاهل عائلاتهم. فتقوم بالإشراف شخصيا على تتبع جميع مراحل العلاج والتدخل على مستوى الأطباء وحثهم على إعطاء هؤلاء المرضى عناية خاصة. وإذا ما تطلبت إحدى الحالات من بوسعادة النقل إلى العاصمة أو نحو الخارج، تنصب هذه السيدة نفسها مسؤولة عن افتكاك رخصة تكفل من قبل الدولة بهذا المريض ولا تدخر جهدا في التوسط لدى الأطباء مسؤولي المصالح لإقناع اللجنة المتخصصة في دراسة الملفات على مستوى وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، على الموافقة على ملفه. كما لم ينسها ولم يلهها اهتمامها بالأطفال المرضى والمتمدرسين وذوي الاحتياجات الخاصة أيضا الذين تعمل على تزويدهم بكل المستلزمات الخاصة بهم من كراسٍ متحركة وعصي وغيرها وحتى توفير بعض الأدوية النادرة والباهظة الثمن، التقاليد الجزائرية، إذ تقوم السيدة لعراف بتنظيم حملات ختان جماعية يستفيد منها أبناء العائلات الفقيرة والضعيفة الدخل، حيث نظمت خلال شهر رمضان الماضي حفل ختان جماعي لفائدة 38 طفلا. كما تقوم بتخصيص زيارات للمرضى المتواجدين بالمستشفيات خلال شهر رمضان وتشرف على تقديم وجبة الإفطار لهم ولمرافقيهم طيلة الشهر، فغالبا ما يكون هؤلاء المرضى قادمين من ولايات داخلية فيفتقرون إلى الدفء العائلي في المناسبات الدينية والاجتماعية. عشاء الميت... مأدبة لا ترضى أن تفوت تحضيرها بنفسها أخذت هذه المرأة النموذج على عاتقها منذ فترة طويلة على مستوى الحي الذي تقطن به ببلدية زرالدة مسؤولية جعلت منها عادة، فهي لا تتقبل ولا ترضى أن تفوت على نفسها شرف تحضير مأدبة عشاء الميت في كل جنازة. فكما قالت، لا تفرق في هذا العمل الخيري بين غني وفقير، لكن الفقير أولى بمساعدتها له، فجميع من يعرفها يعلمون أنها ستكون سندا لهم دائما في مصائبهم، فهي جاهزة لتكون إلى جانبهم لتواسيهم في همومهم في أية لحظة طرقوا فيها بابها، فبابها باب لا يرد عنده أحد إذا ما طرقه. وإلى جانب مشاركة الفقراء أحزانهم تجد هذه السيدة ذات القلب الكبير في مشاركتهم أفراحهم ضرورة أيضا، جعلتها تفكر في تنظيم زواج جماعي للشباب الراغب في إتمام نصف دينهم ووقفت أوضاعهم المادية دون ذلك، فضمن مخططاتها المستقبلية تنظيم زواج جماعي لشباب العاصمة، إلا أنه لازال فكرة لمشروع تحتاج إلى مشاركة جهات أخرى. السياحة للأطفال المحرومين... مشروع آخر اهتمامها الواسع بالأطفال والأمهات جعل السيدة فتيحة لعراف تفكر في إنشاء جمعية لصالح هاتين الفئتين الهامتين في المجتمع، فإذا صلحتا صلح، ومن المنتظر أن تحصل قريبا على اعتماد لتباشر تحقيق وإنجاز مشاريعها التنموية لصالحهما. وكفكرة جديدة تطرحها السيدة لعراف لصالح الأطفال المحرومين، فكرة السياحة، والتي ترمي من خلالها إلى تمكين أطفال العائلات المعوزة والفقيرة من التجول عبر مختلف ربوع الوطن والتعرف عليه وكذا تخطي حدوده وزيارة بعض الدول المجاورة والدول الأوربية، وهو ما لن تقدر على توفيره لهم أسرهم أبدا. وغير بعيد عن السياحة، كان ولازال حلم السيدة فتيحة التي تأمل في تحقيقه إنشاء جمعية محلية على مستوى بوسعادة تنهض من خلالها بالمنطقة وتعمل على الترقية الاجتماعية بها بالتركيز على كل الجوانب التي من شأنها استقطاب السياحة والقليل من نسبة البطالة، بتشجيع الحرف والصناعات التقليدية على مستواها. الذبح في زاوية الهامل...عادة لا تتخلى عنها من بين العادات الحميدة التي تحاول السيدة فتيحة المحافظة عليها، ذبح أضحية العيد في زاوية الهامل وتقسيمها على الفقراء والمحتاجين، وتقول إن هذه العادة تنبع من الدور الذي كانت ولازالت تلعبه الزوايا في الجزائر، والمتمثل في مساعدة السكان. وترى السيدة فتيحة التي تقول عن نفسها إنها بنت زاوية، أن للزوايا دورا كبيرا في تحقيق التقدم الاجتماعي على المستوى الوطني إذا ما أدت الدور الذي لعبته خلال الحقب التاريخية، في تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الناس.