مختلف الهيئات والمنظمات الفلسطينية، العربية والعالمية، السياسية فيها والثقافية، تعرف جيدا محمود درويش، كان وجها مبدعا حبيبا للمجتمع، لهذا فإن خبر وفاته، ما كاد يذاع حتى خيم الوجوم والحزن العميق على جميع عارفيه وقارئيه وسامعيه في كل العالم. محمود درويش كلمة كبيرة على الفم، هي حكاية كفاح وطني لا أخلص ولا أروع، هي حكاية قدرة إبداعية مدهشة وروحا حيوية في مختلف الميادين، نضاله لم يكن له حدود وإنسانيته لم يكن لها وطن محدود. لذلك كان ملء عين الإنسانية التقدمية، فكرس حياته كلها في المهام الوطنية والإنسانية، فلم يكن مجرد شاهد عصره، أو مسجلا للأحداث بل مشاركا مشاركة فعلية في الأحداث نفسها، سواء ما اتصل منها بشؤون وطننا فلسطين، أو بلادنا العربية، وبشأن السلم والتحرر والثقافة والإبداع في كل مكان. إنه لم يمر أي حدث تحرري أو حدث يوطد السلم ويساهم في تصفية الاستعمار، إلا وكان لمحمود درويش رأي في هذا الحدث ومشاركة فعلية في دعمه ومناصرته، كتب في مختلف الصحف العربية والعالمية، فكان قلمه وشعره وإبداعه حاضرا دائما في الأحداث ومساهما فيها، حتى صار واحدا من كبار الشعراء والأقلام الشريفة والمسؤولة في عصرنا. محمود درويش كان الوطنية يوما، كانت آلاما وتضحيات وكان الفكر الحر النير يوم كانت حرية الرأي سبيلا إلى الزنازين والأعواد.. هزت ضميره حرية وطنه وشعبه فناضل مبكرا من أجلنا، وكان قمة من قمم النضال، أعطى ولم يأخذ، لأنه رجل قضية وجندي رسالة وفكر، لذلك غدا محمود درويش قيمة من قيمنا الخالدة، تحمل أفكارا وآثارا وأمجادا ومعاني كريمة علينا وعلى كل الناس. كان محمود درويش قوة فكرية تجاهد وتكابد وتغالب وتواثب في سبيل يقظة الإنسسان العربي على ذاته وحياته، ليصنع قدره، ويصرع مستعبديه ومستغليه.. محمود درويش.. مبدع يعز على الرثاء، وسيظل مصباحا لنا في مفارق الدروب، يصرع صدر العتمات، ويهدي القوافل الحيرى والسفن الهائمة في متاهات الإعصار. سنرفع اسمه في أعلى الذرى، كما كان يحمل همومنا وآلامنا في قلبه، ويرفع رؤوسنا في آفاق الأرض، وستظل أفكاره ومبادئه وروحه معنا ما ألقت الشمس نورها على جبال الكرمل، وما شلح القمر ضوءه على ملعب الموج وصفحة الماء.