منذ 3 سنوات أصبح الاحتفال بيوم 19 مارس ذكرى عيد النصر يتزامن مع صدور العدد الأول من جريدة ''الحوار''، التي تبوأت مكانة بين مختلف اليوميات الصادرة بلغة الضاد في الساحة الإعلامية الوطنية، وبالمناسبة أردنا أن نسلط الضوء على دور الدبلوماسية الجزائرية المعاصرة في تنمية الاقتصاد الوطني، لاسيما وأن المفاوضات التي كللت بالتوقيع على اتفاقات إيفيان واسترجاع الاستقلال الوطني من أبرز إنجازات الدبلوماسية الجزائرية التي يفتخر الجهاز الدبلوماسي وإطاراته بالمساهمة فيها. وقد شاركت الدبلوماسية الجزائرية من 1962 إلى 2010 هذا في كافة المعارك التي خاضتها البلاد وظفرت بها قصد تعزيز السيادة الوطنية ولمحافظة على وحدة التراب الوطني واستعادة ثرواتها الطبيعية والتأكيد على مبادئها ومصالحها في الساحة الدولية. وعاشت الجزائر بالأمس فترة مأساوية على مرأى أعين غير مبالية وعدوانية البعض في الساحة الدولية وقد وقفت الدبلوماسية الجزائرية بحزم في وجه الإرهاب وكل محاولات التدخل في شؤون البلاد الداخلية، وبعد أن استعادت الجزائر اليوم كامل مكانتها في المحافل الدولية وتمام قدراتها على الصعيدين الداخلي والخارجي تعمل دبلوماسيتها على أن تكون جادة وواقعية ومبادرة وفعالة. وفي هذا السياق، أبدى شركاء الجزائر اهتماما متزايدا بالاستثمار في عدة قطاعات اقتصادية مما جعل بلادنا تكرس من جديد تواجدها وتأثيرها في مختلف فضاءات العلاقات الدولية اللذان يميزان مسارها التاريخي، حيث ترجمت الزيارات التي قام بها رؤساء الدول الصديقة حجم الثقة والاحترام اللذين تحظى بهما الجزائر لدورها الفعال في سبيل ترقية السلم والأمن في كل مناطق العالم وللفرص الأكيدة التي يوفرها اقتصادها لتطوير علاقات تعاون قوية تخدم المصلحة المتبادلة مع شركائها. كما مكنت الإصلاحات الاقتصادية المباشرة في الجزائر خلال السنوات الأخيرة والتي تمس في مجملها كل المجالات إضافة إلى الورشات الكبرى المباشرة في إطار التنمية الاقتصادية مكنت الدبلوماسية الاقتصادية من تثمين فرص حقيقية من أجل ترقية التعاون مع شركائنا في كل القطاعات. وبهذا فإن النشاط الدبلوماسي يهدف أيضا إلى تعبئة الاستثمارات الأجنبية وتطوير شراكة منتجة وتساهم في خلق مناصب شغل وكذا ترقية الصادرات الجزائرية خارج المحروقات، حيث تواصل مختلف الهيئات الوزارية سعيها من أجل تكييف اقتصادها الذي أضحى ضروريا بالنظر إلى التحولات التي تميز العلاقات الدولية واستجابة لمقتضيات تنميتها الاقتصادية والاجتماعية. وتقوم الدبلوماسية الجزائرية بأعمال للمساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني من خلال الفرص التي يتيحها التعاون الدول، وأضحت الدبلوماسية الاقتصادية بالتأكيد محور جوهري في التحرك الخارجي للجزائر، حيث تعمل على تطوير تعاون مثمر مع شركائنا الأجانب في كل المجالات التي تكتسي أهمية جلية بالنسبة لبلادنا. ان بعثات الدبلوماسية والقنصلية بالخارج تقوم بحزم بالأعمال التي ترمي إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية في قطاعات متعددة من الاقتصاد الوطني سيما من خلال شرح الإطار المؤسساتي والإجراءات التحفيزية التي تم اتخاذها خلال السنوات الأخيرة في الجزائر. وفي هذا الصدد، أحدث التقويم الملموس الذي أنجز في السنوات الأخيرة في الجزائر في كل المجالات ظرفا مناسبا لانجاز المزيد من الاستثمارات الأجنبية بما فيها خارج قطاع المحروقات، ويتعلق الأمر بالتعريف بمنتوجات قابلة للتصدير ووضع معلومات مفيدة حول الأسواق الخارجية للاستيراد في متناول متعاملين التجاريين وتشجيع الاتصالات بين الهيئات الجزائرية للتصدير والشركات الأجنبية للاستيراد. كما يتم تشجيع البحث عن كافة أشكال الشراكة المفيدة للاقتصاد الوطني عبر تثمين التكاملات الاقتصادية مع المؤسسات الأجنبية بهدف ترقية إنتاج السلع الموجهة لتلبية السوق الوطنية والتصدير على حد سواء، قصد الاستفادة من الفرص التي يتيحها التعاون الدولي في مجال المهارة والتمويل. وتبرز مساهمة دبلوماسية الجزائرية الخارجية في تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال البحث التلقائي عن كل الوسائل التي من شأنها الإسهام في عصرنة المنظومة المالية والمصرفية الجزائرية بهدف تدعيم تكييفها مع البيئة الاقتصادية الدولية. بالموازاة مع ذلك تعمل الدبلوماسية الجزائرية على المستويين الإقليمي والدولي على تعزيز اطر التعاون بهدف المساهمة بفعالية في الأعمال التي تنجز في الجزائر من أجل جعل اقتصادنا قادرا على مواجهة التحديات المترتبة عن اندماجه في الاقتصاد العالمي، وهو الحال فيما يتعلق بتطوير تعاون بلادنا مع الاتحاد الأوروبي ومسار انضمامه للمنظمة العالمية للتجارة . ويرى المختصون في الشأن الاقتصادي أن الجزائر اتبعت سياسة براغماتية في توجهها الخارجي، لاسيما وأن مبدأ التضامن العربي لم يعد له الحد الأدنى من الوجود في العلاقات العربية البينية، وإذا كانت المصلحة الوطنية وليس المصلحة العربية المشتركة هي الحاكم في التعامل بين الدول العربية فان علاقات الدول العربية في بينها كما تراه سياسة الرئيس بوتفليقة اتجاه العام العربي يجب أن تكون قائمة على نزعة براغماتية تقضي بعظيم المكاسب الوطنية في علاقات هذه الدول فيما بينها وتحديدا ما تعلق بالجانب الاقتصادي، ولذا فان احد الجوانب الأساسية في هذه السياسة هي التركيز على الاستثمارات العربية في علاقات الدول العربية يبعضها البعض وقد عرفت الجزائر خلال هذه الفترة جلب العديد من الاستثمارات العربية كما كان لها أيضا جهود استثمارية في بعض الدول العربية وقد قدر لهذه الاستثمارات أن تكون نموذجا لعمل عربي مشترك يتسم بطابع براغماتي يشكل أساسا قويا للعمل العربي المشترك كما يشكل بديلا على ذلك الخطاب التضامني الوحدوي العربي الذي لم تعد له أي أهمية في أي جهود وحدوية عربية نتيجة التحولات الإستراتجية الكبير الحاصلة عربيا وعالميا.