تمكنت الجزائر بعد حوالي 48 سنة من التوقيع الرسمي على اتفاقية وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962 من إحكام سيطرتها الفعلية على قطاع المحروقات الذي يشكل العصب الرئيسي لمداخيل الدولة ومواردها من العملة الصعبة، حيث أقرت الحكومة أخيرا قوانينا تسمح للشركة الوطنية للمحروقات ''سوناطراك'' ?عملاق صناعة النفط بالجزائر- ببسط سيطرتها المطلقة على الموارد الطاقوية للبلاد ووقف كافة الامتيازات الممنوحة سابقا للشركات الأجنبية التي عملت على استنزاف ثروات الدولة، من خلال إقرار قانون المحروقات الجديد. وكانت الجزائر قبل 48 سنة من اليوم قد وافقت على التكفل المطلق بسلامة الحقوق الخاصة بامتيازات استغلال المناجم والمحروقات للشركات الفرنسية العاملة آنذاك على أرض الوطن، كما وجدت جبهة التحرير الوطني نفسها مجبرة على ضمان حرية الشركات الفرنسية بالاستمرار في ممارسة نشاطاتها الخاصة بالبحث والتنقيب، فضلا عن استكشاف واستخراج المحروقات في الجزائر، وهي الوضعية التي حاولت استدراكها لاحقا بإعلان سياسة التأميمات الكبرى. ومن الامتيازات الأخرى التي أقرتها اتفاقية وقف إطلاق النار لفائدة الشركات الفرنسية ضرورة التعاون مع المؤسسات الوطنية في تسيير موارد المحروقات عن طريق حيازة الأغلبية المطلقة في كافة المشاريع ذات الصلة باستخراج النفط والغاز من الحقول الواقعة جنوب الوطن، وتواصلت هذه الوضعية لعدة عقود بعد إعلان الاستقلال في محاولة من السلطات الوطنية تطوير الموارد الطاقوية التي تزخر بها الدولة وملء الخزينة الوطنية بمداخيل العملة الصعبة، غير أن ما حدث على أرض الواقع هو أن الشركات الأجنبية لم تقم سوى بنهب خيرات البلاد وتحويل أرباحها إلى الخارج. وأفادت تقارير رسمية أن المجمعات النفطية العاملة في الجزائر كانت تقوم سنويا بتحويل ما نسبته 10 بالمائة من مداخيل البترول لحسابها الخاص، أي ما يعادل زهاء 2 إلى 3 مليار دولار سنويا، وتكون هذه التقارير التي اطلعت عليها السلطات الوطنية وراء التحمس الكبير لإلغاء حق الامتياز الأجنبي وإعادة الاعتبار للشركات الوطنية في تسيير موارد الدولة الباطنية، عن طريق إقرار قانون المحروقات الجديد مؤخرا. ولم تتدارك السلطات الوطنية هذه الوضعية التي استمرت لسنوات طويلة بعد التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار التي يصطلح عليها ب ''عيد النصر'' سوى مؤخرا من خلال إقرار هذا القانون الجديد الذي أعاد للجزائر سيطرتها المطلقة على ثرواتها الباطنية. وتمنح القوانين ال19 الجديدة، سوناطراك ما لا يقل عن 51 بالمائة من حصة التنقيب والتشغيل والتكرير من قبل الشركات الأجنبية، كما تفرض على شركاءها الأجانب رسوما على ما تحققه من أرباح إذا تجاوز سعر برميل النفط الخام الواحد 30 دولارا، حيث تتراوح الضريبة ما بين 5 و50 في المائة. وتمنح تعديلات أخرى سوناطراك حقوقا استثنائية في نقل المحروقات عبر الأنابيب وحمايتها من الإحالة على التحكيم الدولي في حالة نشوب نزاعات مع شريك ما، مع ضمان حصة ضخمة من جميع الأنشطة ذات الصلة بالمحروقات، وهي القوانين التي خولت للجزائر تحقيق أقصى الأرباح الممكنة وإحكام السيطرة على الصناعة النفطية، فضلا عن استعادة السيادة الاقتصادية المطلقة على الحقول النفطية وتحقيق المصالح الإستراتيجية للوطن.