تتضارب تصريحات المرضى والناطقين باسمهم والأطباء مع تلك التي تقدمها بعض الجهات ذات الصلة بمشكلة ندرة ونقص أدوية علاج السرطان والتهاب الكبد الفيروسي بالجزائر، لكن ومما لا شك فيه، وحسب تأكيدات الفئة المتضررة من هذا النقص والفئة المدافعة عن حقوقها، فإن الندرة موجودة منذ فترة لا بأس بها على مستوى المصالح المتخصصة بمستشفيات العاصمة ومركز بيير وماري لمكافحة السرطان. أكدت مصادر ''الحوار'' الموثوقة وجود نقص في المرحلة الحالية في العديد من الأدوية المصيرية بالنسبة للمرضى، وأرجعت ذلك إلى عاملين رئيسيين الأول عدم إعطاء إدارة بيير وماري كوري أهمية لتقديرات الأطباء ورؤساء المصالح لاحتياجات مصالحهم من الأدوية، والثاني سوء التسيير على مستوى مخازن الصيدلية المركزية للمستشفيات. قامت مصادر أخرى في اتصالها ب ''الحوار'' وفي محاولة منها للتقليل من هول الوضع، برفع المسؤولية عن إدارة المركز رامية الكرة في ملعب الصيدلية المركزية، لكن رمية خفيفة تبقي من خلالها شباك هذه الأخيرة نظيفة، حيث أوضحت هذه المصادر أن الصيدلية المركزية تشكو خللا في غرف التبريد والتخزين ما يفسر عدم تجرئها على استقدام كميات كبيرة من هذه الأدوية الحساسة لشروط التخزين، خشية تلفها. ''الحوار'' في محاولة منها لتقصي الحقيقة والوقوف على مشكل صحة عمومية، شرع في حصد أرواح المرضى، اتصلت بمن تشملهم دائرة المشكلة من مرضى ومدافعين عن حقوقهم وأطباء، والذين أدلوا بتصريحاتهم المختلفة، لكن ظل تصريح الطرف اللغز، الصيدلية المركزية للمستشفيات، غائبا بعدما فشلت جميع محاولات الاتصال بالمسؤولبن فيها. تلقت ''الحوار'' من طرف أحد مصادرها المطلعة والموثوقة خبرا يفيد بوجود نقص فادح على مستوى مركز بيير وماري كوري لمكافحة السرطان في نوع من الأدوية الخاصة بعلاج سرطان الثدي، الكلى، الدماغ والقولون، ما يضع حياة المرضى على المحك في حال عدم الإسراع في توفيرها في أقرب الآجال. وتزامن نقص دواء ''الأفستين''، مع نداءات الاستغاثة التي يطلقها مرضى التهاب الكبد الفيروسي الذين يشتكون هم أيضا في الفترة الأخيرة من نقص وندرة في دواء ال ''بيغاسيس''، ما يؤكد عودة مسلسل ندرة الأدوية إلى الواجهة من جديد بعدما عملت الوزارة الوصية على حلّه أواخر شهر أوت الماضي عقب تواتر فضائح فساد كميات معتبرة من الأدوية جرّت وراءها سلسلة من التغييرات على مستوى مسؤولي الصيدلية. ''الأفستين'' مفقود...''بحثنا عنه بالنقود لكنه لازال غير موجود'' يعتمد أخصائيو علاج أنواع مختلفة من السرطان كالثدي والجهاز العصبي، القولون والكلى بصفة كبيرة على دواء ''الأفستين'' الذي أحدث طفرة نوعية منذ ظهوره على الساحة الطبية العالمية في إنقاذ أرواح المرضى والتخفيف من معاناتهم والمضاعفات الناجمة عن الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي. إلا أنهم يقفون اليوم مكتوفي الأيدي أمام ندرة هذا النوع من الدواء على مستوى مركز مكافحة السرطان بيير وماري كوري، فلا يسعهم الأمر أن يطلبوا من المرضى شراءه لأنه غير موجه للبيع بالصيدليات بحكم أنه دواء ذو استعمال استشفائي. وعلمنا من نفس المصادر أن صيدلية بيير وماري كوري تتوفر على كمية قليلة جدا من ''الأفستين'' تلقتها من قبل الصيدلية المركزية التي تتوفر على كمية قليلة فقط هي الأخرى والمقدرة، حسب مصادرنا المطلعة، ب 800 عبوة. مصادرنا التي أكدت النقص الذي وقفنا عليه من خلال الشهادات الحية لعائلات المرضى، فقد أوضحت أن عائلات المرضى المصابين بالأنواع السالفة الذكر من السرطان المنتظر علاجهم ب ''الأفستين''، أن مرضاهم لم يتلقوا العلاج منذ حوالي شهر تقريبا بسبب نقص الدواء وعدم وفرته على مستوى المركز وفقا لما صرح به لهم الأطباء الذين يقفون عاجزين في ظل غياب البديل. فكما قالت لنا قريبة إحدى المريضات المصابات بسرطان الثدي، ''بحثنا عنه بالنقود لكنه لازال غير موجود، فهذا الدواء لا يباع بالصيدليات مثل باقي الأدوية التي تعودنا مع مرور الوقت على التأقلم مع ندرتها بالمستشفى باقتنائها من الصيدليات أو تدبرها من مستشفيات أخرى، لكن في حالتنا هذه نحن ملزمين بانتظار أن تحل الأزمة''، وواصلت هذه السيدة تقول إن هناك حالة، لا تدري نوع إصابتها، توفيت بهذا المركز جراء عدم تلقيها العلاج، ما بات يقلق أكثر أفراد عائلتها وخاصة أبناء أختها على الوضع الصحي لوالدتهم المريضة المتواجدة بنفس المركز. المرضى متخوفون ولا يهمهم من المسؤول أبدى جميع المرضى المصابين بالسرطان ممن التقتهم ''الحوار'' أو التقت عائلاتهم تخوفهم الشديد من أن تطول مدة النقص في التموين بدواء ''الأفستين'' أو ما يعرف أيضا بجزيء ''بيفاسوزوماب''، فلا تهمهم المشاكل التي تمر بها سواء صيدلية بيير وماري كوري أو حتى التي تمر بها وتواجهها الصيدلية المركزية للمستشفيات، فالمهم أن يتحصل المرضى على الدواء في الوقت المناسب وبالكمية المناسبة، دون الحاجة لواسطة لتلقيه، فكما علمنا من أحد أقارب مريض مصاب بسرطان القولون ''يتلقى المرضى القدماء العلاج بهذا الدواء الموجود بكميات قليلة جدا، في حين ينفي الأطباء وجود مثل هذه الممارسات التي يؤكد عليها بعض عمال الفريق شبه الطبي''. وقال لنا قريب هذا المريض ''لا يهمنا من المسؤول عن نقص الدواء فنحن لسنا في موقع يسمح لنا بمحاسبتهم، لكننا نطالب فقط بتوفيره بكميات تكفي حاجة جميع المرضى، بعيدا عن مبدأ تفضيل إنقاذ المرضى القدماء، فالسرطان عندما يجتاح جسم الإنسان لا يفرق ما إذا كان ظهوره في ذلك الجسم قديما أم جديدا، بل يتقدم بنفس الوتيرة مهما كانت مدة ظهوره''. ومن جهته قال زوج إحدى المريضات ''عندما أبلغت الطبيبة زوجتي أنها مصابة بسرطان الثدي، تخوفنا كثيرا خاصة وأننا نعرف الكثير من الحالات التي توفيت بسببه سواء تلك التي اكتشفته في مرحلة متقدمة أو غيرها، لكن طمأنتنا الطبيبة أن أمل زوجتي في الحياة كبير جدا خاصة أنها تفطنت للورم في بدايته إضافة إلى وجود دواء ''الأفستين'' الذي أوضحت لنا أنه من بين الأدوية المستخدمة في العلاج المصوب بحيث يهاجم البروتين المساهم في خلق أوعية دموية تغذي الورم السرطاني. فارتفعت معنويات زوجتي، لكن ها هي اليوم محبطة تماما وفاقدة الأمل في عدم انتشار الورم إلى أنحاء أخرى من الجسم وبالتالي في شفائها، بعدما علمنا أن سبب التأخر في الشروع في العلاج هو نقص في دواء ''الأفستين''''. بيير وماري كوري يحاول تدارك الوضع أوضحت مصادرنا الموثوقة، أننا سنلاقي إجابات سلبية على تساؤلاتنا أمام المسؤولين عن التموين بالأدوية على مستوى بيير وماري كوري، وحتى على مستوى الصيدلية المركزية للمستشفيات، خاصة بعد المقال الذي سبق وأن نشرته ''الحوار'' في عددها ليوم 23 مارس الجاري، والذي أثار ضجة على مستوى المركز. تقربنا من إحدى الطبيبات المختصات في علاج أورام الثدي، والتي ما كان لها سوى أن ترفع المسؤولية عن عاتق إدارة وصيدلية المركز، مؤكدة أن هذه الأخيرة تقدمت بطلبها للصيدلية المركزية للمستشفيات ولم تحصل عليه في المدة المحددة، بسبب وجود خلل أو مشكل متعلق بالتخزين بال ''PCH '' حيث فسدت كمية معتبرة من هذا الدواء بالمخازن بسبب غياب شروط التبريد أثناء التخزين. وهو سيناريو غير مستبعد ومنطقي، خاصة بعد فضيحة شهر جويلية الماضي والتي سجل خلالها فساد ما عدده 3200 حقنة لعلاج التهاب الكبد الفيروسي يقدر ثمن الحقنة الواحدة منها ب 30 ألف دينار. وواصلت هذه الطبيبة المختصة دفاعها عن المركز، قائلة ''لقد بدأت معالم انفراج الأزمة تظهر مع استقدام كمية من ''الأفستين'' على مصلحة سرطان القولون، وينتظر أن تصلنا الكمية الخاصة بسرطان الثدي مطلع أفريل القادم''. مركز مكافحة السرطان تيزي وزو يعاني هو الآخر يعاني المركز الجهوي لمكافحة السرطان لتيزي وزو، حسب تصريحات مصادرنا دائما، هو الآخر من انقطاع عن تزويده بمجموعة كبيرة من الأدوية نذكر منها سوتانت الخاص بسرطان الكلى، غسيلودا، تاكسول، ونيكسافار الخاص بسرطان الكبد والمقدر ثمنه ب 40 مليون سنتيم للعلبة الواحدة. ما يؤكد أن المسؤول الوحيد عن نقص الأدوية الخاصة بعلاج السرطان هو الصيدلية المركزية للمستشفيات. فإلى متى تستمر حلقات هذا المسلسل في حصد أرواح المرضى الأبرياء إذ يتوفى 80 بالمائة منهم بسبب عدم تلقيهم العلاج في الوقت المحدد، خاصة وأن ال ''PCH'' تخصص 300 مليار سنتيم سنويا كميزانية لاقتناء الأدوية المستوردة لتقوم بتوزيعها فيما بعد على المستشفيات، حسب ما صرّح به مديرها السابق محمد منصوري بمناسبة الأبواب المفتوحة للإعلام على الصيدلية عقب فضيحة فساء حقن علاج التهاب الكبد الفيروسي.