أعجبني وصف كاتب الدولة لدى الوزير الأول المكلف بالاتصال عز الدين ميهوبي للغة العربية بلغة الزجاج لا لغة الخشب ..وذلك أثناء مداخلته التي افتتح بها أشغال اليوم الدراسي حول اللغة العربية في الصحافة المكتوبة الذي نظمه مؤخرا المجلس الأعلى للغة العربية، وهو وصف أملته شاعريته وشفافيته كشاعر وروائي وعاشق كبير للعربية .. حرقته على اللغة العربية ليست وليدة اليوم ولا وليدة المنصب الذي يعتليه ..بل هي أيقونة لطالما ترسخت في أعماله الشعرية والأدبية ولطالما نضحت بها كلماته وحواراته ومداخلاته .. ما من صحفي أجرى حوارا أو سجل تصريحا لعز الدين ميهوبي سواء كوزير أو كمبدع إلا وحظي بقسط وافر من المتعة اللغوية والثقافية ،واستفاد من ذاك الفيض التعبيري الرقراق وذاك الأسلوب الرشيق الذي يتميز به .. شخصيا أعده من بين أحسن المثقفين والمسؤولين الذين كان لي شرف محاورتهم وتسجيل أقوالهم في مناسبات كثيرة .. كان قلمي يزدهي بما يغدقه علي من فن كلامي وجماليات تعبير .. من لا يراه يظن أنه بصدد قراءة شيء أعده بمهارة مسبقا ولا يحسب أن الرجل سريع البديهة قوي الارتجال حاضر العبارة والمصطلح إلى ذاك الحد .. طبعا ليس بغريب عن مثقف مثله أن يتقن التعامل مع الكلمات ويجيد استعمالها بسلاسة وفنيات عالية .. وأن يكون على هذه الدرجة من الغيرة على اللغة التي علمته وعلمها فن القول وجماليات الإبداع ،وألهمته الشفافية والرهافة وحس إبداعي لم تنل منه خشونة المعترك السياسي بما يفرضه من صرامة تعامل وصلابة مواقف .. هذا ليس بمدح بقدر ما هو اعتراف وعرفان لرجل عرف كيف يحمي جوهره كمبدع وشاعر وعرف كيف يخلص للغة آمن بها وآمنت به .. رجل له حذق خاص وذوق آخر في التعامل مع العربية .. رجل أحب العربية فأحبته ورفعها فرفعته .. هذه ليست ادعاءات إنها حقيقة تتباهى بها أشعاره ورواياته ومسرحياته وهي كافية لإثبات تورطه في عشق كبير لطالما فضحته إنجازاته ومنتجاته الإبداعية التي قلما تصدر عمن يمتص العمل السياسي كل وقتهم وجهدهم .. فتحية لوزيرنا المبدع على هذا الحب الراسخ الذي يحمله للغة العربية .. وتحية على هذه الرهافة وهذه الشاعرية التي لم تفسدها أشياء السياسة والمناصب العالية .. حدسي يقول أن رجلا مثل عز الدين ميهوبي مؤهل لأن يصوغ تجربته السياسية فنيا وإبداعيا.