تحيي الجزائر، اليوم العالمي لاستخدام وسائل منع الحمل في حالة من التناقض. ففي الوقت الذي يحذر فيه الأخصائيون من ارتفاع سن الأزواج الجدد وتفشي نسبة العزوبية والعنوسة، يحذر آخرون من انفجار ديموغرافي وشيك قد يواجه الجزائر مجددا مع تزايد عدد المواليد، رغم أن الإحصاءات السكانية الأخيرة تشير إلى أن معدل الأسرة الجزائرية صار لا يتجاوز الطفلين أو الثلاثة. وصل عدد المواليد الجدد إجمالا إلى أكثر من 800 ألف ولادة سنويا، ما يعني أن الجزائر ستواجه ''انفجارا سكانيا حسب مسؤولي وزارة الصحة، مما يطرح مجددا أمر العودة إلى سياسة التخطيط العائلي وتنظيم النسل''، حسب الدكتورة قداد مديرة السكان بوزارة الصحة، والتي حذرت من الارتفاع المستمر للنمو الديموغرافي ببلادنا. بالرغم من التكاليف الباهظة للزواج من غلاء المهور وأزمة السكن والبطالة التي تضرب أوساط الشباب، إلا أن ذلك لم يشكل حاجزا، بدليل تزايد عدد الزيجات وما يقابله من ارتفاع مستمر للنمو الديموغرافي، ما يعني أن المجتمع الجزائري قد يواجه انفجارا حقيقيا في نسبة السكان، وهو ما يطرح بالنسبة للمختصين مشكلة أخرى تتحدد معالمها في تنظيم النسل وتوسيع استعمال موانع الحمل للتحكم أكثر في الأمر، كما يقول الدكتور سعيد كابويا، رئيس الجمعية الجزائرية لتنظيم النسل. والملاحظ أن هناك بعض التناقضات في الأرقام والتحاليل، إذ في الوقت الذي تتحدث الإحصاءات عن ازدياد في عدد عقود القران وتزايد في المواليد ما يشكل احتمال مواجهة الجزائر لازمة ديموغرافية جديدة غير تلك التي عرفتها في سنوات الثمانينيات، فإن تحاليل أخرى ترى أن نسبة العنوسة والعزوبية في الجزائر في استمرار مقلق، سببها المشاكل السوسيواقتصادية، وهي مشكلة قد تكون لها عواقب أخلاقية وخيمة تهدد استقرار المجتمع بأكمله، لذلك فإن إنجاز دراسات جدية تجمع كل الأطراف بات أمرا ضروريا لرفع اللبس الذي يشوب هذا الملف بالذات! خاصة إذا علمنا أن 62 بالمائة من الأسر الجزائرية تستعمل إحدى وسائل تنظيم النسل، وان معدل الأطفال في الأسرة الواحدة لا يتجاوز 3 أطفال. وفيما يتعلق بالتركيبة السكانية، فإن نسبة الشباب تشكل أعلى نسبة وبفارق كبير، حيث تمثل 45 بالمائة من مجموع السكان، كما ارتفع عدد الولادات في الجزائر خلال الخمس سنوات الأخيرة بمعدل يقترب من 2 بالمائة، بعد أن عرف تراجعا كبيرا في الفترة ما بين سنة 1996 و2000 . وقدر عدد المواليد الجدد بحوالي 783 ألف ولادة سنويا، في حين وصل عدد الوفيات إلى 153 ألف سنويا. كما أن متوسط عدد الأطفال بالنسبة للنساء في سن الإنجاب وصل إلى 2,9 بالمائة في الأوساط الحضرية، مقابل 3,4 بالمائة في التجمعات السكانية المبعثرة. وأفادت أن نسب الولادات عرفت نموا ''طبيعيا'' نظرا لتراجع نسبة الوفيات عند الولادة. ومن جهة أخرى، سجل معدل الحياة في الجزائر ارتفاعا مقارنة بالسنوات الماضية، حيث لم يكن يتجاوز 73 سنة في 2002 وبلغ متوسطه 75 سنة في ,2008 ويقدر معدل الحياة بالنسبة للجزائريات ب77,6 سنة، في حين لا يتجاوز عند الرجال 6,74 سنة. الاستهلاك العشوائي لحبوب منع الحمل يشكل خطورة على المرأة ذكر البروفسور بوزيد عداد، رئيس مصلحة التوليد وطب النساء بمستشفى مصطفى باشا، في الجزائر، أن المخاطر الصحية التي أصبحت تتعرض لها بعض النساء نتيجة الاستهلاك العشوائي لحبوب منع الحمل كثيرة ومن هذه المخاطر إصابة المرأة بالعقم، مضيفا أن مصلحته استقبلت حالات من النساء أصبن بالعقم نتيجة تناول الحبوب دون استشارة الطبيب. فيما سجلت حالات مرضية أخرى تعود لنفس الأسباب منها حالات الإصابة بالسرطان، وحذر ذات الطبيب المختص المقبلات على الزواج اللواتي يتناولن الحبوب قبل الحمل الأول لتنظيم العادة الشهرية، خاصة منهن المتقدمات في السن من خطورة الإصابة بالعقم. وقال البروفسور عداد إن الكثير من النساء استعملن حبوب منع الحمل لفترة طويلة دون انقطاع فأصبن بالعقم. وفي هذا الإطار يشير أغلب الأخصائيين إلى أن عواقب استهلاك حبوب منع الحمل التي تستعملها الفتيات دون استشارة المختصين، أشد خطرا من الحبوب العادية الأخرى كونها تستعمل لمنع الحمل بعد العلاقة مباشرة. ''مخاطر الحبوب الكبيرة لم تثن النساء عن استخدامها'' كشفت الجمعية الجزائرية للتنظيم العائلي أن الجزائريات تفضلن استعمال حبوب منع الحمل عن باقي أنواع وسائل المنع الأخرى، مؤكدة على أن هذه النسبة قد عرفت ارتفاعا ملحوظا مقارنة بالسنوات الماضية. قالت مديرة السكان المسؤولة عن تنظيم الأسرة في وزارة الصحة كداد نصيرة، إن الغالبية العظمى من النساء تجدن في استخدام وسائل منع الحمل المختلفة الحل الوحيد لتنظيم وتحديد الولادات والمحافظة على تباعدها حماية لصحتهن، وأن نسبة استخدامها على اختلاف أنواعها قد بلغت 62 بالمائة لدى الجزائريات، موضحة أن هذا المؤشر يعكس تطور الثقافة الإنجابية في العقود الأخيرة مقارنة مع سنوات السبعينيات حيث سجلت الوزارة والجهات الأخرى المعنية نسبة 7 بالمائة فقط. وأشارت كداد نصيرة من ناحية أخرى إلى أن المرأة الجزائرية تبقى، وبالرغم من الحملات التحسيسية والإعلامية، تفضل استعمال حبوب منع الحمل عن غيرها من الطرق الأخرى المتوفرة على المستوى المحلي، والتي لها آثار جانبية أقل خطورة على الصحة لا سيما بالنسبة للمصابات بالأمراض المزمنة. وكشفت ذات المتحدثة أن وزارة الصحة والسكان قد سجلت نسبة 80 بالمائة من الاستعمال بالنسبة للحبوب مقارنة مع الأساليب الأخرى التي قلما تلجا لها النساء في حالات الضرورة مجبرات غير مخيرات. وعبرت المسؤولة عن تنظيم الأسرة عن تفاؤلها الواسع لتحسن مجال استخدام وسائل منع الحمل بالجزائر بسرعة مدهشة تنم عن الوعي الكبير في مجال الصحة الإنجابية، إلا أنها وفي الوقت ذاته ركزت على ضرورة استهداف الفئات الشابة أكثر فأكثر والتي تبقى بحاجة إلى الدعم في هذا السياق، حيث تتجه الكثيرات منهن إلى استعمال حبوب منع الحمل دون استشارة الأخصائيين ما قد يسبب للبعض منهن تعقيدات صحية من المصابات بالسكر ومرض القلب، فحتى مخاطرها لم تبعد النساء عنها، قالت كداد. وأرجعت كداد التطور في هذا المجال إلى العناية الفائقة التي أصبحت توليها الدولة لوسائل منع الحمل المختلفة والتي استحوذت فيها الحبوب على حصة الأسد، حيث تخصص الدولة ما قدره 200 مليار سنويا من ميزانيتها المسطرة في إطار قانون المالية فقط لاستيراد حبوب منع الحمل، توزع مجانا على مستوى مصالح الأمومة والطفولة بالهياكل الصحية لتجنب الحمل غير المرغوب فيه أو غير المتوقع. واقترحت كداد من جهة أخرى، وضع تحت تصرف الشباب الجزائريين كافة المعلومات والأساليب اللازمة المساعدة على مباعدة الولادات والوقوف في وجه الحمل غير المرغوب فيه.