كثيرا ما يشيد فلان وعلان بمسار محو الأمية في الجزائر، وكلما دنا يوم مخصص للاحتفال بهذه الفئة إلا وذهب الجميع إلى الوقوف عند الجهود التي تبذلها جمعية عائشة باركي منذ سنوات عديدة في هذا المجال، فترى ''المشيخ'' و''المعجز'' وهم يتأتؤون ويتعتعون في صولاتهم وجولاتهم بين الأسطر. ويبدو من خلال جملة معطيات أن مفهوم الأمية أشمل من أن تحصر في شباك ''التأتأة'' و''التعتعة'' ونحن نرى اليوم تصرفات الكثيرين أمام أحداث الشغب التي أصبحت سمة طاغية على أكثر من مدينة جزائرية، فلم ينفع هذا ولا ذاك أمام الشباب الطائش الذي أحسن قراءة لافتات المحال التجارية التي تبيع ما خف وزنه وغلى ثمنه، في الوقت الذي تبكم الكثيرون ولم يحسنوا لا القراءة ولا الكتابة في الأسطر التي خطها هؤلاء بحجارتهم وقطعهم للطرقات واعتدائهم على الممتلكات العمومية والخاصة، في غياب تام لكل ''متمشيخ'' أو ''متمعجز'' أو ''متمعلم'' في أيام وليالي ''العافية''. والغريب في الأمر والحاث على دراسة الظاهرة دراسة علمية حيادية بعيدة عن كل أشكال التعمية أن هذه الفئة لم يفد معها لا وعظ الوعاظ، ولا خطابات ما يسمى بجمعيات المجتمع المدني التي اختفى جلها تحت أجنحة الظلام المادي والمعنوي. ومما لفت نظري أن شباب بعض الأحياء المعروفين بسوابقهم العدلية في ضواحي المدن الكبيرة افترقوا على أحياء المدن والحواضر كما كانت تفترق قبائل الجاهلية وهي تغزو لكسب الغنائم، كل ولي وجهة معروفة لكسب الثروة التي تغنيه سنوات من النشل وتتبع العجائز والصغريات في حافلات النقل العمومي. وبغض النظر عن القراءات التي أعطيت لهذه الأحداث، والأسباب التي وقف وراءها كل طرف وهو يناصر طرحه للموقف تحليلا ونقدا ومطلبا، إلا أن الوضع في عمومه كشف عن أمية متفشية تفشي الطاعون في أدعياء يعرفهم الجميع، ليبقى أمام عائشة باركي وأمثالها الاعتراف بفشل مأمورية ''محو الأمية''.