قد ينظر البعض إلى رسالة الفن في وطننا العربي على أنها مجرد ''استهزاء''، رسالة خاوية لا تصل قارئها، وحتى وإن وصلت فهي غالبا ما تلقي به في واد التهلكة، نظرا لتدهور حالة الفن في الوطن العربي عموما، وبقدر ما الأمر كذلك بالنظر إلى حجم المتطلبات الأولية التي يحتاجها المواطن العربي من حياة كريمة وسكن وشغل وتمدرس، و.. و..، قبل أن يسعى هذا الأخير للبحث عن الترفيه والفن والثقافة، فإن من هذا الكلام جانب مخطئ، وعوض الحديث عن مكانة الفن في الوطن العربي، الأجدر أن نتحدث عن طبيعة الفنانين العرب، فمنهم الصالح وفيهم ''الطالح'' مثلما يقال، والدليل ما حدث معنا أيام الأزمة الكروية ''الجزائر مصر''، وتلك التهكمات الفضة التي أبداها عدد من الفنانين المصريين تجاهنا ك''أشقاء''. ثم لا زلنا نتذكر جيدا ما قيل في حقنا كتاريخ وشعب وحضارة، لسبب أو بدون سبب، كنا وسيلة في أيادي بعضهم لنيل المزيد من الرضا لدى السلطات المصرية.. وسط ذلك أبدى بعض الفنانين والمثقفين المحسوبين للأسف الشديد أثناءها على أصابع اليد، تضامنا معنا كجزائريين ''أشقاء'' نتقاسم الدين والتاريخ واللغة. ما حدث معنا آنذاك كان أمرا مستفزا للغاية، ولم يكن بوسعنا سوى الدعوة بتقلب الأحوال، اليوم وفي خضم ما يحدث بقلب الدولة الشقيقة ''مصر''، من دعوة صريحة لرحيل الرئيس مبارك ونظامه المتسلط الفاشل لأبعد الحدود، لا زلنا نتابع فضاضة بعض الفنانين المصريين الذين لا زالوا يقتاتون ''لقمة عيشهم'' من فتات مائدة ''الريس''، يصرحون ببعض التصريحات باطنها أسوأ بكثير من ظاهرها، مثل تلك التصريحات الأخيرة للفنانة غادة عبد الرزاق والتي لم ترى في مطالب الشعب المصري أي داعي، وقالتها صراحة ''تنكرتم ل 30 سنة من عطاء الرئيس مبارك''.. في حين يتحدث الشعب عن قمع وخنق للحريات وفساد... الحمد لله أن من أمثال غادة ليسوا كثر، فالبارحة فقط نزل عشرات الفنانين المصريين الذين لا يخشون أو يخافون لومة لائم، إلى ميدان التحرير بقلب القاهرة عاصمة البلاد، للتنديد ببشاعة المشهد السياسي، مطالبين برحيل مبارك، جنبا إلى جنبا مع المواطن البسيط الفقير، المغلوب على أمره، وأمثال هؤلاء بإمكانهم فعلا توجيه رسالة الفن من مشارق الوطن العربي إلى مغاربه.. ليس أن تقتل القتيل وتمشي في جنازته، مثلما يقال عندنا، بل الأمر كذلك مع السيدة غادة التي تفلسفت وهي التي عاشت ولا تزال تعيش بفضل بضعة أفلام لا تسمن ولا تغني من جوع، لو لم ينصفها الجمهور المصري لما كان لها وجود، والتي كانت في السابق تتحدث دوما عن ''شعبيتها'' ونجوميتها التي صنعها لها جمهورها، فعن أي جمهور تتحدث غادة وأمثالها، واليوم تصدهم بكلامها المدمر .. ممثلين جسدوا و صنعوا أدوارا كثيرة على الشاشة الكبيرة والصغيرة لكن الدور الذي قاموا به حاليا بعض الفنانين بعيدا عن عدسات الكاميرا هو بلا شك الأكثر واقعية وهو دور المواطن الغاضب الذي يهتف بكل حماس مع شباب الانتفاضة الشعبية التي تشهدها مصر منذ أسبوع ''الشعب يريد إسقاط النظام''.. وتلك هي الرسالة الحق التي يتوقع أن يوجهها الفنان العربي، ما دام الشعب يشكو الضياع السياسي والتقتيل والمجازر، فلم لا يستجيب الفن لمطالب الشراع والمواطن... فنانون من جميع الأعمار والمجالات نزلوا إلى الشارع للتعبير عن رفضهم للفساد والاستبداد وعن أملهم في غد أفضل خالد الصاوي، خالد أبو النجا الذي زار منذ بضعة أشهر فقط الجزائر، وآسر ياسين ومحسنة توفيق وخالد النبوي وعمرو واكد وجيهان فاضل، خالد يوسف وكاملة أبو ذكري وداود عبد السيد وكتاب السيناريو تامر حبيب وخالد دياب، وآخرون كثر وقفوا جنبا إلى جنب مع الحق.. مع التغيير.. مادامت كل أبواب الإصلاح والتصحيح قد أقفلت... الجميع إلا من رحم ربي، قال علنية: ''لا .. لا للفساد، والديكتاتورية، لا للسرقة، عايزين حكومة وطنية ترعى اهتمامات الشعب بكثير من الكرامة''. ما يحدث من انتفاضة في الشارع العربي والمصري تحديدا اليوم، نقلت المواطن العربي نقلة أخرى، صارت بفضلها الشعوب العربية قادرة على التعبير عن آرائها بحرية وبلا خوف، وذاك الذي لابد على باقي الفنون أن ترصده وتبثه لباقي الأوطان الغربية، حتى يعلم الجميع أن الشعوب العربية، تبحث دوما عن التغيير وأنها قادرة على التغيير الصحيح. ومثلما قيل للرئيس مبارك ''ألف مرحبا بك يوم تعهد بخدمة الشعب، لأول مرة تقلد فيها مناصب الحكم، فإن من حق هذا الشعب أن يقولها له مرة ثانية ''ارحل يا ريس''، بكل بساطة .. '' ارحم يا ريس، وارحم أولادك وشعبك''.. ومثلما كان للفنان المصري دورا في تولية مبارك، فإن له دورا في تنحيته، وهنا تبرز أهمية أن يكون للفنان العربي ''تحديدا'' ضمير يؤنبه، ويحركه وقت الشدة.