الحب أنبل العواطف التي رددها الشعر العربي، وأن القلوب بيد الله عز وجل، وقد أحب من الخلفاء المهذبين والأئمة الراشدين كثير ومن الصالحين والفقهاء في الدهور القديمة، لقد كان العربي في العصر الجاهلي تلقائيا في علاقته بالمرأة احترم الأعراف القبلية ولكنه يستجيب للصبوة ما سنحت الفرصة وأمن العار. ويروي ابن الجوزي قصة أخ رأى امرأة أخيه حاسرة فعشقها وكتم عشقه حتى أوشك أن يودي به السقم، أشهر أطباء عصره اكتشف سبب مرضه فما كان من الأخ إلا أن طلق زوجته ليرجع إلى أخيه فؤاده، لأن المرأة توجد والأخ لا يوجد، فأقبل الناس يهنئون المريض بنيل مراده فما كان منه إلا أن حرم المرأة على نفسه. قال عبيدة السلماني ''ما أدري أي الرجلين أكرم الأول أم الآخر، وقد ورد في كتاب ذم الهوى إن الطبيعة البشرية يمكن اعتقالها وأن فيها قدرة على تجاوز أي إطار مسبق يفرض عليها وكل هذه الانفعالات من خوف ولهفة وقلق وغضب وسرور وغيره وشفقة، إنما تعمل عملها في صميم تجربة الحب. عرف الحب في العصر الجاهلي في مستوياته جميعا الحسية والعذرية الطبيعية والشاذة، وأشعار امرئ القيس وحده يمكن أن تجد فيها آثار هذه الألوان من الحب على اختلاف مستوياتها، إلى أن جاء الإسلام وأنكر الزنا وحرمه وعاقب عليه بالرجم أو الجلد، وأباح الزواج الحلال، وأن الإسلام قد وضع إطارا واسعا للحياة العاطفية للرجل بصفة خاصة وللمرأة نسبيا، ولكنه لم يتسامح في الخروج عن هذا الإطار بالسقوط في الزناس. مما يروى أن المأمون سأل تمامة عن العشق ما هو؟، فقال العشق جليس ممتع وأليف مؤنس وصاحب ملك مسالكه لطيفة، مذاهبه غامضة، وأحكامه جائرة، ملك الأبدان وأرواحها والقلوب وخواطرها والعيون ونواظرها والعقول وآراءها. الحب ظاهرة كونية تتجاوز الإنسان إلى النبات والحيوان والأحجار، بل تتجاوز الحياة البشرية إلى الكون الواسع حتى نلحظها بين الجن والجن والإنس، وبين الكواكب وبين السماء والأرض، فالكون كله يتكون ويتحرك بالمحبة .