يتعرض أطفال العائلات الفقيرة بولاية الطارف إلى أبشع إستغلال من خلال تشغيلهم، وإن كانوا دون العاشرة، كما هو الشأن في جمع محصول الطماطم تحت أشعة الشمس الحارقة خلال الايام الاخيرة، قبيل الدخول المدرسي. من مقاعد الدراسة إلى صناديق الفلاحة كل صائفة ، وبمجرد بداية العطلة يكون أطفال الفئة الفقيرة على موعد مع موسم جني الطماطم الصناعية، أين ينتظرهم الفلاحون كغنيمة بشرية بعد مغادرة مقاعد الدراسة فيقضون جويلية وأوت وبداية سبتمبر في جني المحصول مقابل أجر مالي قد يغطي جزءا من مصاريف لعائلاتهم ، رغم المخاطر الصحية التي تكون عواقبها أضعاف المدخول المالي. هذه السنة تضاءل عدد الاطفال الذين يشتغلون في جني الطماطم الصناعية ، ليس بسبب تحسن أوضاعهم الاجتماعية، وإنما بسبب تقليص المساحة المزروعة إلى أقل من 2300 هكتار، وقد كانت في السنوات السابقة تتجاوز 7000 هكتار، وتوظف أكثر من 10 آلاف طفل دون السن القانونية للتشغيل. وللوقوف على شقاء أطفال الفقراء تجولت''الحوار'' في بعض الضيعات الفلاحية ببلدية الشط، أين وجدنا مجموعة من الاطفال والشباب من بينهم 3 من الجامعيين في سنتهم الاولى. وقد سخر لهم الفلاحون عربة مهيأة للنقل ، من حسن حظهم عكس بقية المزارع الاخرى، حيث ينقلون ذهابا وإيابا كقطعان الماشية على سيارات الشحن المنفعية (الباشي) وتمر على النقاط الامنية المرورية مرور الكرام في المواقع الريفية والحضرية وفي كل المزارع التابعة للمستثمرات الجماعية والفردية أو الخاصة، وينتشر يوميا الاطفال وسط المحيطات الفلاحية لجني محصول الطماطم الصناعية، إبتداء من السادسة صباحا، ويواصلون العمل دون توقف إلى الرابعة مساء، وتسعى البراءة بأقصى جهد بدني وبدافع الفقر والاحتياج في عمل شاق تحت أشعة الشمس الحارقة لشهري جويلية وأوت، كل حسب طاقته الصحية في الكمية المجنية حسب عدد الصناديق، إذ يدفع الفلاح صاحب المحصول 20 دينارا مقابل الصندوق الواحد، وبإمكان الاطفال ، كل حسب قدراته، أن يجمع بين 15 إلى 20 صندوقا في اليوم. وحسب الفلاحين الذين تحدثنا معهم بشأن مخالفتهم القوانين في تشغيل الاطفال، فقد برروا بأن الشباب أو فئة الكبار لا يقدمون على العمل في جمع محصول الطماطم الذي أصبح حكرا على الاطفال برغبتهم، وتحت طلب وإلحاح ذويهم كما ينفون صفة العمل الشاق، لكون أي عمل حر في التوقيت لأن العملية لا تتعلق بعدد الساعات بل بالكمية المجنية حسب عدد الصناديق، والمقابل المالي عدا ونقدا كل نهاية الاسبوع، وفي عين المكان كشف لنا الاطفال بأن كثيرا من زملائهم تعرضوا إلى ضربة الشمس، وبعد أسبوع عندما يتماثلون للشفاء يعودون للعمل. بالوعات الموت تغري البراءة ولان المحيطات الفلاحية تتوسطها الاحواض المائية الخاصة بالري الفلاحي دون حماية، فإن الاطفال يلجأون إليها بغرض السباحة وقت الفراغ وخاصة عند القيلولة، لتخفيف التعب والارهاق، وقد غرق في هذه الأحواض والحفر المائية السنة الماضية 4 ضحايا، والغريب أن معالجة مثل هذه الحوادث تؤول في آخر مطافها إلى حادثة غرق عادية،ودائما تتم تبرئة الفلاحين من مسؤولياتهم في إنتهاك حقوق الطفل. من جهة أخرى ذكرت بعض العائلات الفقيرة عن إصابة العديد من الاطفال بأمراض ناتجة عن عملهم، تسببت في مضاعفات صحية تطلبت وقتا طويلا في المتابعة الفلاحية، ومصاريف بأضعاف مضاعفة للأجرة الشهرية التي تلقوها مدة شهري جويلية وأوت، بل وجنت على المستقبل الدراسي لكثير من التلاميذ بفعل عجزهم عن العودة لمقاعد الدراسة، والاستفادة من علاوة الالفي دينار بعد شهرين من الدخول المدرسي. وبعين المكان ونحن نتابع شقاء البراءة في جمع المحصول إستجوبنا من فئة الذكور محمد لمين، زهير، ياسين، علاء ومن فئة البنات لامية، بثينة، سهى، نوال، وتتراوح أعمار الفئتين بين 8 و14 سنة، وكلهم متمدرسون. وبشأن العلاوة المدرسية 3000 دينار يؤكدون الاستفادة منها، ولكن تحصيلها يكون بعد شهر أو شهرين من الدخول المدرسي، وهنا يتدخل الطفل''سيمو'' 14 سنة وبتفكير الكبار يقول '' لا يعيرون'' أدنى تقدير لفقرنا المدقع، فيضغطون علينا بإحضار المصاريف المدرسية، بينما التلاميذ الذين يحملون معهم الخناجر والدخان لا أحد يقف طريقهم. الظاهرة في بقية القطاعات على مدار السنة تشغيل الاطفال دون السن القانونية أصبحت قاعدة عامة مباحة وسط المجتمع، بسبب الفقر والاحتياج، وتعدت إلى العديد من نشاطات الخواص، ومن ذلك نشاط الصيد البحري بالقالة، حيث أقحم الاطفال القصر في العمل، وأخطر ما في هذا النشاط أن الكثير منهم يقضون لياليهم بعين المكان، ومنها يتعودون على الانحرافات الاجتماعية، يحدث هذا أمام مرأى الجهات الرسمية والأمنية التي هي على دراية بهذه الظاهرة.