في الاتجاه المعاكس للخطاب الرسمي والجهد الذي تبذله مؤسسات الدولة والهيئات المختصة ومن خلال سن قوانين صارمة تحمي الأطفال من الظواهر الاجتماعية السلبية والخطيرة وخاصة ظاهرة عمالة الأطفال وردع المتسببين فيها. تشهد الجزائر تنامي مخيف لهذه الظاهرة التي استفحلت في السنوات الأخيرة في عدة ولايات من الوطن خصوصا الداخلية منها وإن كان للمأساة الوطنية التي عصفت بالبلاد طيلة عشرية كاملة ونتائجها الوخيمة على الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء بعض المسؤولية في الدفع بهذه الفئة إلى اقتحام عالم الشغل، فإن بعض الباحثين عن الربح السريع وجدوا المجال خصبا لاستغلال هذه الفئة وبتواطؤ من بعض الأولياء في بعض الاحيان. ''البلاد'' قامت من خلال هذا الربورتاج بتسليط الضوء على ظاهرة عمالة الأطفال ببرج بوعريريج التي اخذت في الاستفحال على غرار باقي الولايات الاخرى ولم يكن التخطيط مسبقا لإنجاز الروبورتاج لولا المشهد الذي استوقفنا لأطفال دفعتهم الظروف المعيشية الصعبة إلى البحث عن لقمة العيش وسط النفايات المتراكمة من خلال جمع النحاس والألمنيوم لإعالة أسرهم الفقيرة ببعض الدنانير . بدأنا رحلتنا من افقر حي على مستوى مدينة برج بوعريريج من حي القنطرة والمعروف ''بدوار السوق'' تسمية أطلقت على هذا الحي منذ الحقبة الاستعمارية ولا زالت تنطبق فعلا على الواقع المعاش بالحي المذكور الذي لا يبعد عن السوق اليومية الا ببضع أمتار وكأنه خارج مجال العصر رغم انه يتوسط المدينة في مدخلها الغربي بحيث لم تشفع لهذا الاخير كل البرامج التنموية الهامة التي استفادت منها الولاية للخروج من بوتقة التخلف والفوضى العمرانية؛ واول ما صادفنا عند التوغل داخل ازقة الحي منازل فوضوية لم يراع فيها مقاييس البناء الحديث والعصري مظاهر الترييف في كل مكان . من هنا تبدأ رحلة البحث عن لقمة العيش لأطفال صغار في سن البراءة وقعوا في فخ استغلال بارونات النحاس بدنانير لا تعد على الأصابع بجمعون النحاس والألمنيوم وبقايا الخردة والنفايات البلاستيكية وكل ما يمكن أن يجلب بعض الدنانير حتى الكارطون طيلة اليوم في الشمس الحارقة وتحت العواصف لا يهم المهم بعض المال وفقط. أول ما لفت انتباهنا الحمل الثقيل لطفلين لا يتجاوز عمرهما الحادية عشر وهما يجران طاولة تبغ او ما يعرف بالدخان وقد أوضح ''عادل '' الطفل الذي لم يتجاوز مستواه الدراسي السادسة ابتدائي أنه اعتاد رفقة زميله على بيع التبغ طيلة العطلة الصيفية لإعالة الأب المعاق ذهنيا والأم المريضة ببعض الدنانير لتغطية مصاريف الأدوية الباهظة الثمن التي أثقلت كاهل شقيقه الأكبر الذي يشتغل عامل بناء بإحدى المقاولات المجاورة.. استفسرنا عن بارون النحاس الذي يتردد على الأحياء لجمع بقايا الخردة والنحاس وأوضح انه طلق المهنة منذ اكتشافه الاستغلال الأبشع لهذا التاجر ببعض النقود التي لا تكفي لشراء حتى المواد الأساسية فضلا عن كونها مهنة شاقة محفوفة بالمخاطر تدفع الكثير من الأطفال إلى حد سرقة الكوابل النحاسية والمغامرة بحياتهم لتسلق الأعمدة الكهربائية للظفر ببعض النحاس مضيفا أن زميلا له تعرض زميله لكسر على مستوى الذراع أثناء محاولته نزع سلك نحاسي من أعلى رافعة مخصصة للبناء والذي نجا بقدرة قادر مما جعله يفضل بيع التبغ على المغامرة بحياته.. تقربنا من الأزقة التي يتردد عليه تاجر النحاس لعلمنا انه يزور الحي مساء يوم الجمعة مرة كل خمسة عشر يوما وهي الفترة التي ينتهي فيها الأطفال من جمع بقايا النحاس بالحي المذكور بدوار السوق وحي آخر على مستوى القرية الجنوبية اين يجمع ما يقارب القنطار في بعض الأحيان. وحسب مصادر ''البلاد'' فالتاجر يعمل بدوره تحت سلطة احد بارونات النحاس بولاية مسيلة والذي ينشط على مستوى ثلاث ولايات سطيف، مسيلة وبرج بوعريريج لجمع النحاس ويكبد مؤسسات الاتصال بكل أنواعها والممتلكات العمومية بمختلف الولايات خسائر كبيرة تقدر بالملايير جراء حالات السرقة التي تطال الكوابل النحاسية وعدادات المياه. كانت الساعة الثالثة مساء وهو وقت قدوم تاجر النحاس بسيارته 404 الأطفال يهرعون إلى حمل الأكياس البلاستيكية المعبأة بالنحاس والألمنيوم وبقايا الخردة يتم التفاوض حول سعر الكمية بعد قيام التاجر بوزن كل كيس على حدى حتى ان بعض الأطفال يقومون بوزنه قبل تقديمه للتاجر لتجنب الاحتيال عليهم ببعض الدنانير. وجه آخر للمأساة وقفت عليه ''البلاد'' أطفال صغار يبيعون الأكياس البلاستيكية بسوق الخضر والفواكه كانت وجهتنا الثانية السوق الأسبوعي لاستطلاع وجه آخر من اوجه المعاناة والحرمان التي يعاني منها الأطفال الذين يمتهنون بيع الأكياس البلاستيكية لكل من يقصد السوق اليومي للخضر والفواكه مقابل خمسة دنانير للكيس الواحد رابح. أسامة؛ فاتح وغيرهم كثير اختاروا بيع الأكياس البلاستيكية على الالتحاق بمقاعد الدراسة والسبب دائما الفقر والحرمان بحيث يقوم هؤلاء الأطفال يوميا منذ مطلع الصباح إلى الواحدة زوالا ببيع الأكياس البلاستيكية بحيث أرهقتهم المعاناة وبدت ملامح غريبة في وجوههم تشبه إلى حد بعيد الحروق بفعل التعرض الشديد إلى أشعة الشمس الحارقة مما يدل عن مدى البؤس والشقاء، اقتربنا من رابح عمر 14سنة الذي أضاف أن الفقر وراء امتهانه لبيع الأكياس البلاستيكية ومغادرته مقاعد الدراسة في سن مبكرة بحيث لم يتجاوز مستواه الدراسي السادسة ابتدائي في ظل الظروف الصعبة التي تعاني منها عائلته الكثيرة العدد والمكونة من 10افراد مضيفا ان حياته تغيرت كثيرا بحيث اصبح يتوهم بأنه كبير السن نظرا للمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه في ما يتعلق بالمصروف اليومي للمنزل في الوقت الذي يقوم فيه اقرانه بزيارة الشواطئ والاستمتاع بزرقة البحر الذي لم يزره الا مرة واحدة بفعل الفقر المدقع والشديد الذي دفعه إلى العمل في سن يفترض أنه مع زملائه في قاعة التمدرس مما يجعلنا نتساءل عن دور الهيئات والجمعيات المكلفة بحماية الأطفال والمجتمع في مثل هذه الظروف القاسية التي حرمت اطفال في سن البراءة من نكهة العيش الكريم وطعم الدراسة الذي أصبح بالنسبة لهم في خبر كان. مقبرة سيدي بتقة ببرج بوعريريج استغلال فاحش للأطفال والرضع في هذا المكان يتم استغلال حتى الرضع للتسول من قبل بعض النسوة اللواتي تتخذن الباب الرئيسي للمقبرة مكانا لاستعطاف القلوب علها تجود ببعض الدنانير خاصة وان هذه الأخيرة تعتبر من اكبر المقابر على مستوى مدينة البرج وهي مكان مفضل لعشرات المتسولين بحيث يتخذون من زوايا المقبرة مكانا لهم. وتفيد بعض المصادر ل ''البلاد'' أن بعض النسوة ممن يحترفن مهنة التسول تقمن باستغلال رضع لاستعطاف المارة بالثياب الرثة والمتسخة فى اغلب الأحيان، لفت انتباهنا بعض الأطفال يحملون في أيديهم أغصان أشجار وورود وعند الاقتراب منهم تبين انها نباتات جاهزة للغرس وموجهة للبيع لعائلات وأهالي الموتى الذين يفضلون إحاطة موتاهم وذويهم ببعض النباتات والأشجار بسعر 300دينار للشجرة. أحد الأطفال أوضح انه أعتاد على المهنة لسد الحاجيات الضرورية للمنزل وإعالة أب الأسرة الفقير الذى ''مالقاش راسو'' على حد تعبيره. كما أن بعض الأطفال يستغلون عاطفة تأثر العائلات عند موت او فقدان احد أفرادها بمشاركتهم دموع الحزن للظفر ببعض النقود رغم استياء بعض العائلات من مثل هده التصرفات التي تتزامن في الوقت الذي تتم فيه تشييع الجنازة والقيام بعملية الدفن وهو الوقت الذي ياتي فيه المتسولون من كل حدب وصوب للظفر ببعض النقود. الدكتورالباحث في علم الاجتماع رشيد زرواتي'' للبلاد'' ''ظاهرة تشغيل الأطفال ترتبط أساسا بتدهور المستوىالمعيشي'' يرى الدكتور المختص في علم الاجتماع رشيد زرواتي أن ظاهرة عمالة الأطفال ترتبط اساسا بتدهور المستوى المعيشي للأسرة وضعف المدخول بكثير عن المستوى المقبول للمعيشة بحيث يرتبط تدني الاجور بضعف المشاريع التنموية المجتمعية لامتصاص البطالة مما ينجم عن كل هذا ظاهرة الفقر التي تؤدي إلى ظهور مشاكل كثيرة ومتنوعة كالمرض، الامية، العنف، التشرد ومن بينها ظاهرة تشغيل الأطفال واستغلال هذه الفئة من طرف أرباب العمل بهدف الكسب السريع وعليه فإن سوء معيشة بعض الاسر يؤدي إلى أن ترسل هذه الاخيرة أطفالها إلى البحث عن العمل وهم في سن لا تسمح لهم بذلك ويضطرون إلى العمل بأبخس الاجور وفي اسوء الظروف وخير مثال على ذلك عينة من اطفال برج بوعريريج الذي يمتهنون جمع النحاس والنفايات الحديدية لصالح بعض التجار. وفي الأخير يرى الباحث في علم الاجتماع ان الحل الوحيد لهذه الظاهرة يكمن في وضع مشروع امة ومجتمع مستدام وفعال لتنمية جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي يمكن الوصول إلى حل مشكل البطالة والفقر وتصبح الأسر في غنى عن مدخول أطفالها.