وأنا أمر على رصيف الطريق الضيق المغمور بالفوضى القادمة من السوق الشعبية التي ملأت المكان بأصوات الباعة، أجول بناظري علني أجد ما أصبو إليه أو أجد على الشارع هدى، كان الكل منهمكا في قضاء مآربه و السعي وراء البقاء حيا على الأقل، لم أكن أبالي بما يحدث حولي لأني كنت منصب الفكر ومشغول الذهن بإيجاد المركونة لليأس حاملا إليها الفرح والسعادة كما يخيل إلي طبعا. وأنا أمني النفس وأتصور ردود فعل من احمل إليها مشاريعي المميزة لإعادة العمة إلى روابيها الغناء .. اليوم وقد غيرت مكانها المعتاد وجدتها كعادتها ليست ملكة طبعا وأنا أهم على تقبيلها دفعتني بيدها الضعيفة التي تركتها ترتجف للمرة الأخيرة يوم اكتشفت قصتها الحزينة، لم أغير مكاني ولم أتفاعل كثيرا مع ردة فعلها بالرغم من الحرج الذي ملأ وجهي، إلا أنني رحت ألطف الجو ببعض ما حملت لها من فاكهة في يدي، ورحت أحاكيها وأعرض عليها ما خططته بلغتي التي اخترت لها أعذب العبارات وأنقى المقاصد علها توافق وترافقني لبيت الرحمة الذي أعد خصيصا لاستقبال من رمي في الشوارع واتخذها بيتا، وتجرع الألم بمرارة العلقم. كنت أعرض عليها الفكرة مبينا لها أن البيت يحوي حماما وسريرا جميلا، فيه أيضا أكل ساخن وصديقات تؤنسين بهم وحدتك وتطردين بهم أفكارك التي ملأت مكانك سوءا.. هيا يا عمتي اتركي هذا المكان النجس فإنه لا يليق بك أنت بالذات وابقي على حياتك هادئة بعيدا عن من رموك ولم يأبهوا بك ولك، اتركي هذه الظلمة الموحشة وتعالي لنور المصباح الذي وضع على جانب سريرك .. كنت أتكلم وأستعرض الكم الهائل من ايجابيات جمعتها عن بيت الرحمة علني أقنعها وتعدل عن فكرة بقائها في الشارع، وهي كعادتها تسكن في مكانها ولا يتحرك لها جفن تسترق النظر إلي بين الفينة والأخرى، ويدها تداعب الفاكهة في حيرة من أمرها هل ستستطيع أن تأكلها أم لا، وهي التي لم تبرح فتات الخبز منذ زمن .. لم تكلف نفسها حتى الرد علي وتركتني أهيم بين أفكاري وكلامي حتى كدت أصاب بهستيريا الكلام، لتنطق أخيرا وترجني من مكاني ..كفى ..''اسكت يعطيك غمة'' هكذا كافأتني، وكنت سعيدا لأنها في الأخير ردت علي.. كنت بالي الفكر ساعتها لأنها مسكت بيدي وأحست بلهفتي لمساعدتها أو ربما لتنهي ثرثرتي التي دوت أرجاء المكان .. قالت لي العمة إنها ترضى بكل ما هي عليه ليس لأنها تحب ذلك ولا تجد بديلا، فحسبها كل معارفها القدامى يطلبون منها ذلك، إنما تتخذ من الشارع مكانا لها كي يراها أولادها الذين رموها وهي تفترش الأرض الباردة وينهار جسدها يوما بعد يوم أمام أعين لطالما مسحت دموعها العمة، في صورة حنين مذهلة. وبعيدا عن لوم العمة أو مساندتها في فكرتها تعذيب أولادها ظانة أن الضمير سيرأف يوما ويعود الابن والبنت لضم العمة وتعود حنان وعمر لصدرها.. وبعيدا عن كل التعابير التي تأكل فؤادي عن ما يحدث في مجتمعنا.. بعيدا عن كل ذلك لا أجد ما أقول غير ..لكم الله يا أولاد العمة