يعد المسرحي الجزائري مصطفى كاتب (1920- 1989) من أعمدة الفن الرابع في الجزائر بنضاله الريادي في سبيل مسرح وطني متألق قائم على التكوين، فكان أول من أسس معاهد وطنية مختصة ودعا لإدراج المسرح في النظام التعليمي. كانت البدايات الأولى لكاتب مع الركح عام 1936 لما أسس فرقته المسرحية الأولى المسماة “ألف باء” رفقة علال المحب وعبد الله نقلي وسيد علي فيردناند لينضم بعدها لفرقة “المطربية” لعميد المسرح الجزائري محي الدين باشطارزي الذي أثرا فيه كبيرا ، وفي 1947 أنشأ فرقته الهاوية باسم “المسرح الجزائري“ والتي توجت في الخمسينيات في العديد من المهرجانات الدولية خصوصا بالاتحاد السوفياتي وبعض دول أوروبا الشرقية ، لقد جعل كاتب من هذه الأخيرة ورشة تكوين حقيقية لتعليم أصول الفن الرابع والتحق بها فنانون مشهورون مثل سيد علي كويرات ويحي بن مبروك، غير أنها توقفت بعيد انطلاق الثورة التحريرية ، ولأن طموحه كان كبيرا فقد انضم عام 1948 لفرقة باشطارزي المحترفة “المسرح العربي“ كممثل ومخرج وأيضا في الإدارة الفنية كنائب لباشطارزي قبل أن تتوقف بدورها هذه الفرقة عام 1956 بعد اندلاع الثورة ، ومع اشتداد الثورة غادر كاتب طوعا للمنفى الفرنسي حيث مارس هناك المسرح الملتزم بين عامي 1956 و1958 لينتقل بعدها إلى تونس أين ترأس الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني سنة 1958، نجحت هذه الفرقة في ايصال صدى الثورة إلى عديد الدول عن طريق أعمال مسرحية أخرجها كاتب مثل “نحو النور” و”أولاد القصبة” و “دم الأحرار” وكذا “العهد”. عين كاتب غداة الاستقلال ،أول مدير للمسرح الوطني الجزائري عقب تأسيسه في جانفي ، 1963 من طرف فناني الفرقة وفنانين آخرين كانوا متواجدين بالجزائر ، وقد تميز الراحل آنذاك بإخراجه للعديد من المسرحيات الناجحة من بينها “الحياة حلم” و”الغولة”، إضافة إلى “الجثة المطوقة” و”الرجل ذو النعل المطاطي” لكاتب ياسين، وكذا اقتباسات لروائع المسرح والأدب العالمي كشكسبير وبريخت وناظم حكمت وتوفيق الحكيم ، صدرت بفضله مجلتان مهمتان هما “الحلقة“ في المسرح و”الثورة والثقافة“ التي اهتمت بقضايا الفكر والثقافة . معلم جعل الجامعة تحتضن المسرح امتلك الراحل تصورا مختلفا حول التكوين الذي اعتبره الركيزة الأساسية للنهوض بالمسرح في الجزائر فأسس مدرسة برج الكيفان للمسرح والرقص الشعبي بالجزائر العاصمة في 1964 (حاليا المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري/ إيسماس) ، ولأن رؤاه كانت أعمق بكثير فقد انضم ابتداء من عام 1973 لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، مستشار للوزير ما مكنه من فتح الجامعة للمسرح وتنظيم ورشات تدريبية في المسرح من 1975 وإلى غاية 1984 اسست للمسرح الجامعي, و اعتبرت وقتها أفكاره رائدة ، وفي منتصف الثمانينات حظي كاتب بعضوية المجلس الشعبي لمدينة الجزائر حيث تمكن من فرض تصوره الثقافي الذي جاء بمعهد التعليم الموسيقي لمدينة الجزائر، كما وضع أسس بناء خمسة مركبات ثقافية بالعاصمة تحول معظمها عن مهامه وألحق بقطاعات أخرى ، وعاد الراحل في آخر حياته لمنصبه الأول ، مدير للمسرح الوطني الجزائري عام 1988 قبل أن توافيه المنية في 28 أكتوبر 1989 – نفس اليوم الذي رحل فيه ابن عمه الروائي والمسرحي كاتب ياسين. وللإشارة يعتبر مصطفى كاتب اليوم من الجيل الثاني للمسرحيين الجزائريين بعد جيل المؤسسين من أمثال باشطارزي وعلي سلالي المدعو “علالو” ورشيد قسنطيني ومحمد توري ، عدا إبداعه المسرحي فقد كان أيضا ممثلا حيث أدى أدوارا في عدد من أهم الأفلام الجزائرية.