إن الله خلق الإنسان في هذه الدنيا وكرمه أحسن تكريم، وقومه أحسن تقويم، ولقد جاءت الشريعة المطهرة من لدن حكيم عليم، عالم بأسرار الكون، وما يصلح النفس البشرية، وما ينفعها في معاشها وفي معادها، وهو الذي وعد بقوله جل وعلا: {وَمَن يَتقِ اللهَ يَجْعَل له مَخْرَجا وَيَرْزقْه مِنْ حَيْث لَا يَحْتَسِب} (سورة الطلاق 2-3).. كلنا تعودنا على ظاهرة التسول والتي انقسمت إلى فئات عدة .. الفئة الأولى هم أناس محتاجون فعلا، الفئة الثانية أولئك الذين اتخذوه حرفة تعلم، وكلاما يلقن وعملا منظما، وفنا يتخصص فيه، الفئة الثالثة هم الأجانب والنازحين، ولكن الظاهرة الغريبة والمحيرة والتي تدفع الناس إلى طرح تساؤلات عديدة هي ظهور فئة رابعة طالها التسول .. إنهم عمال النظافة الذين أصبحوا يمدون أيديهم طالبين الصدقة في الشوارع والأسواق وعلى أبواب المساجد بل وحتى في الأحياء بالتردد على أصحاب المنازل. لم يعد التسول وقفا على هؤلاء وأولئك، بل طال رجال النظافة في أكثر الأماكن والأوقات، حيث أصبحت الظاهرة ملحوظة بشكل أكبر في الأحياء الشعبية.. فكيف لأناس نحن في أمس الحاجة لخدماتهم أن يصلوا إلى حد التسول؟؟ كلنا نعلم أن غيابهم يحول البلاد لمستنقع كبير من الأمراض والأوبئة، فهم يقضون يومهم في التقاط ما يلقيه الناس من مخلفات متحملين لروائح كريهة باتت أوكسجينهم، فهم شبه فاقدين لحاسة الشم، تحاصرهم الأمراض من كل الاتجاهات، لا تمنعهم برودة الطقس أو هطول الأمطار من ممارسة عملهم، إلا أن تقاضيهم لأجور زهيدة، جعلهم يعرجون إلى التسول.. بحثت الاتحاد عن أسباب تفشي هذه الظاهرة فوجدت أن عامل النظافة الذي يعمل تحت أشعة الشمس الحارة ومع تقلبات الأجواء الباردة لا يستلم من شركات النظافة راتبا يكفيه، بل إن هذا المبلغ الزهيد الذي يتراوح بين 18000 إلى 20000 دينارا جزائريا شهريا لا يستلمه في وقته وقبل أن يجف عرقه. "نحن نطلب المساعدة ولا نتسول" تنقلت الاتحاد بين مختلف شوارع العاصمة وكان حديثنا مع رابح كهل تجاوز الخمسين كان متسلحا بالصبر، وبمكنسة يدوية متهرئة بانتظار فرج قادم والذي قال: أعاني من مرض الروماتيزم وزوجتني أنهكها اسكري ولدي ابنة معاقة وخمسة أخريات، وراتب متدن غير كاف لسداد تكلفة الدواء ومتطلبات المعيشة الصعبة التي دفعت الكثير منا لطلب المساعدة من المواطن الميسور، نحن لم نحترف التسول كما أسماه البعض فعندما أرى من يظهره هندامه أفضل حال مني أطلب منه أن يساعدني إما بالأكل أو البس لبناتي.. أنا أعمل في هذا الحي منذ عشر سنوات والكل يعرفني ويساعدني خاصة كبار السن الذين يتصدقون علي لمعرفتهم بحالتي المزية" كيف أتاجر بآلام أمي؟؟ ويقول خلاف: لا أستطيع أن أقف مكتوف الأيدي أمام دموع أمي المريضة بالسرطان، فبدأت أطلب المساعدة من أهل الرحمة، لكن أين هم أصحاب القلوب الرحيمة؟ لم أجد من يساعدني فإذا تعاطف معي واحد في مقابل ذلك المئات يغضبون ويرفضون مساعدتي ويعتقدون أنني أكذب، ولكن كيف أتاجر بآلام أمي؟ فأنا أقضي يومي كله في الشارع ما بين تنظيفه والبحث عن أي مصدر آخر للرزق حتى أوفر العلاج لوالدتي والقوت لأولادي". نتهم المسؤولين بتهميشنا والتقصير أما قاسم فقال: رواتبنا لا تفي بالحاجة الضرورية خاصة مع هذا الغلاء المتصاعد لأسعار المواد الغذائية ونحن أصحاب أسر وكثير منا مسكنه بالإيجار، ونحن نتهم المسؤولين بتهميشنا والتقصير وراء مماطلة الجانب الحكومي في منحنا حقوقنا كاملة" حتى في جمع "الكرطون" وجدنا منافسين ويتدخل عبد الله ليقول: كيف للحكومة ان تهمشنا ونحن أكثر الناس الذين تواجههم المتاعب والأمراض، والتقلبات الجوية، حتى أصبح المواطن العادي يستعطف علينا ببعض النقود، ويضيف: كنا نقوم بجمع قوم بجمع العلب الكرتونية من القمامة، لنقوم ببيعها في المكان المخصص، ولكننا بتنا ننافس من قبل أصحاب الشاحنات الذين يهرعون لنزعها من أيدينا ليحملوها على مركباتهم لبيعها.. فماذا نفعل؟؟ نتغاضى بالمطالبة بحقوقنا خوفا من الطرد وأجمع العديد من العمال أنه من على الرغم من صمتنا وتغاضينا عن المطالبة بأبسط حقوقنا مقابل استمرارنا في العمل، إلا أن مصيرنا غالبا ما يكون مرهونا بمزاج المسؤولين علينا، بل إن مكافأتنا تكون وفي أحيان كثيرة إما بالطرد من الوظيفة أو العمل على إذلالنا وحرماننا من التمتع بأية حقوق مقابل الواجبات الملقاة على كاهلنا. أجورنا دفعتنا للإضراب و"ضرب النح" دفعنا للتسول فيما يقول شعبان: أضربنا وتركنا النفيات تغرق الشوارع وكانت النتيجة ضرب النح... فنحن لا نحلم بان نكون مديرين أو مسؤولين، وإنما نريد بعض النقود فالحياة صعبة وشاقة وليس بالضروري أن يقال عنا إننا متسولون أو غير ذلك. على الدولة الحد من معاناة المحتاج الاتحاد استقصت آراء المواطنين حول هذه الظاهرة والذين أجمعوا على ضرورة وجود حلول تعمل على رفع معاناة هذه الشريحة من البشر خاصة أنهم يقدمون عملا لا يستطيع أي شخص القيام به ومن ذلك تنظيف الشوارع والطرقات مشيرين إلى أن ظاهرة تسولهم أو حتى قيامهم بجمع ما في القمامة يعود أولا وأخيرا إلى وعود الدولة الزائفة و تأخر صرف رواتبهم من قبل الشركات التي يعملون بها، فإلى متى ستعطى للمجتمع حقوقه وخاصة ذوي الدخل المحدود فمن الخطأ أن يبقى اعتماد عمال النظافة بعد الله على أهل الخير الذين يتعاطفون مع وضعهم وحالاتهم الإنسانية فاستلام حقوقهم في وقتها وكاملة هو الأولى مقابل عملهم الشاق والطويل في الشوارع وداخل الأحياء وبالقرب من منازل المواطنين، فهم يبذلون أقصى جهودهم ليل نهار في سبيل نظافة المدن الرئيسية والأحياء السكنية وتحسين مظهرها التسول يورث الذل والهوان في الدنيا والآخرة أما حكم التسول فقد حرم العلماء التسول وسؤال الناس بغير ضرورة أو حاجة مهمة، ثم قالوا: إن الأصل فيه التحريم، لأنه لا ينفك عن ثلاثة أمور محرمة: الأمر الأول: إظهار الشكوى من الله تعالى، إذ السؤال إظهار للفقر، وذكر لقصور نعمة الله تعالى، وهو عين الشكوى. ويكفي أن التسول يورث الذل والهوان في الدنيا والآخرة، وأن هذا العمل عمل دنيء تمجه الأذواق السليمة، وأن فيه دلالة على دناءة النفس وحقارتها، والنصوص الدالة على ذم التسول كثيرة، فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم»، وفي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس، فترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان»، قالوا فما المسكين يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يجد غِنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئا»، وفي البخاري عن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة من الحطب على ظهره، فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه».