صمتت الحكومة الأردنية وتوقفت عن التعليق على مسار الأحداث بعدما قررت تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع قطر التي يمتنع الإعلام الرسمي المحلي بوضوح عن مهاجمتها واستهدافها. وبصورة توحي ضمناً بالتوجيهات التي تضمن «خطوط الرجعة» والتي تؤكد أن عمان لا تريد «الكسر او القطيعة» تماماً مع الدوحة بانتظار ما سيحصل لاحقاً. يسأل المئات من الأردنيين في الأثناء عن مصير أكثر من عشرات آلاف الأردنيين يعملون في قطر. وعلى وسائط التواصل الاجتماعي يدور بكثافة السؤال التالي: ماذا سنفعل لو تصالح القوم ونجحت الوساطة وانتهت الأزمة بين قطر وجيرانها؟ طبعاً الإجابة على سؤال مناكف من هذا النوع تبدو حمالة أوجه ومفتوحة على كل الإحتمالات خصوصاً بعدما تبين بأن عمان قرأت سطراً مخفياً عندما لم يسمح لها شقيقها السعودي الأكبر في استثمار موقعها برئاسة القمة العربية للمشاركة في عملية معقدة بعنوان «رأب الصدع». الانطباع اليوم يشير إلى ان «السطر المخفي» في القراءة الأردنية للمشهد وللأزمة الخليجية كان المحفز لقرار تخفيض وليس قطع العلاقات الدبلوماسية فوسائل الإعلام الرسمي تحفل بالتأكيدات على ان الاتصالات الدبلوماسية ما زالت مستمرة عبر القائم بالأعمال بين البلدين والقطريون مرحب بهم جداً وستضمن حقوقهم وكرامتهم في الأردن. ما هو ذلك السطر المخفي؟ على الأرجح يتعلق ب «الفيتو السعودي الإماراتي» على أي وساطة باسم مؤسسة القمة العربية وبالحرص الذي عبر عنه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وهو يوجه رسالة غير رسمية «لصديق أردني» يقول فيها :..»خادم الحرمين الشريفين لديه برنامج بخصوص قطر وإتصالات الوساطة ينبغي ان تبقى ضمن البيت الخليجي وننصحكم بعدم التدخل». قيمة رسائل الجبير تحديدًا وفقاً للخبرة الأردنية تنبثق من ان الرجل يعتبر بالتصنيف السياسي «حصة المؤسسات الأمريكية العميقة» في الإدارة السعودية..«الجبير رجل واشنطن الأساسي والمحوري في الرياض»..هكذا يوصف الأخير في اوساط القرار الأردنية مما يعطي نصائحه ورسائله أهمية خاصة. وتلك الرسالة واستناداً إلى مصادر «القدس العربي» الموثوقة تم التعامل معها كشيفرة لا بد من تحليلها بالتزامن مع رسالة الكويتالملغزة التي تحفظت بعد المراجعة على إشراك الأردن بجهد وساطة في إطار البيت العربي. بعد تفكيك الدلالات والنص والنصائح قرأت عمان السطر المخفي وتمأسس التصور القاضي بأن العملية برمتها ضد قطر مبرمجة مع مستويات عميقة في المؤسسة الأمريكية، الأمر الذي دفع باتجاه الخيار الوسطي بإعلان تخفيض العلاقات كخطوة استباقية وبعد الحياد لأكثر من 48 ساعة. عمان في البداية ارتبكت وفوجئت ولم يكن لديها معلومات مسبقة والحلفاء تركوها خصوصاً في محور جانبي قبل ولادة بعض الضغوط وقرارها بتخفيض التمثيل يعبر عن قراءة متأنية أكثر للحدث ورغبة في عدم التعرض لضغوط مباشرة أقوى بعدما تم التحفظ على دورها في «حوار او مصالحة او حتى وساطة». في غضون ذلك تشكل الانطباع مبكراً بأن الإدارة الأمريكية قدمت رعاية مناسبة للخلاف الخليجي وهي التي قامت بتغذيته وهي التي تنوي احتواء الأزمة بطريقتها. لكن أوساطاً تعلم بأن تغذية الأزمة والعمل على تحجيم دور الدولة القطرية وإعادة إنتاج المشهد مسألة «لم تناقش» وبعمق إلا مع أطراف في المؤسسات الأمريكية وليس مع كل المؤسسات، الأمر الذي يبرر التباين بين الرئيس دونالد ترامب والبنتاغون مثلاً. لذلك يقول مسؤولون في الغرف المغلقة بان عدم وجود «أب شرعي» حقيقي وواضح لعملية استهداف قطر سيؤدي إلى انفلات وإفلات تفاصيل كثيرة قد يكون من الصعب احتواؤها. من وجهة نظر العمق الأردني الخبير الضربة للدوحة والتداعيات في سوريا والقضية الفلسطينية والملف الإيراني وتشكل عملية استغلال بشعة تستثمر في البيت الخليجي الداخلي المتصدع اصلاً والأزمة المقبلة لن تكون بنجاح الوساطة او عدمها بل في إنقلات التفاصيل وضرورة التعامل مع الأزمة بنظام القطعة والتقسيط لأن حلفاء واشنطن في قطر وبقية عواصم الخليج والمنطقة لديهم «تفسيرات» متباينة وأجندات مختلفة في مساحة استثمار الأزمة. ولأن بعض الأطراف الإقليمية الأساسية – وهذا مهم – لا يمكنها البقاء في صف المتفرجين وستلعب بدورها وفقًا لمصالحها وبصورة تساهم هي الأخرى بانفلات التفاصيل والحديث في النقاش الأردني الداخلي هنا عن إيران وتركيا وإسرائيل. عليه تبدو المؤسسة الأردنية مهووسة برصد بعض التساؤلات على هامش ملاحظات أساسية لا يمكن إسقاطها من حسابات النيران التي اندلعت مؤخراً بالثوب الخليجي. هنا حصرياً عمان تريد ان تفهم من الذي سيعوض وسيدير الدور القطري في جنوبسوريا تحديداً بعد استهداف الدوحة.. تلك مسألة في غاية الحساسية بالنسبة للأمن الوطني والحدودي الأردني خصوصاً في ظل القناعة بان الدوحة كانت شريكة طوال الوقت مع عمان في ضبط إيقاع ما لا يقل عن 20 ألف مقاتل ضمن جبهة النصرة تحديدًا. ولا بد في السياق من فهم خريطة «المكاسب الإيرانية» التي ستنتج عن أزمة عزل قطر على هذا النحو الخشن وكذلك فهم المدى الذي سيسمح فيه للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتعزيز نفوذه في حضن معادلة الخليج خصوصاً بعد نشاطه الاستثنائي في تمرير تشريع يسمح بإرسال قوات عسكرية لقطر. عمان بدأت تستفسر من الأطراف الرئيسية عن تأثير الأزمة في الحضن الخليجي على عملية السلام وإسرائيل وسيناريوهات الحرب في غزة وخيار حل الدولتين وكل بقايا فيلم مقررات البحر الميت وتستفسر ايضاً عن مصير ومآلات ملف الإخوان المسلمين لأنه يخص الأمن الاجتماعي الأردني. يمكن في الخلاصة بناء الاستنتاج التالي أردنياً: عمان قبلت مضطرة بفكرة عزلها عن سياق الوساطة وتلقت نصيحة من الكويت وأخرى من عادل الجبير بعدم التدخل وتقدمت بالخطوة التي تستطيعها تحت عنوان «تخفيض التمثيل» مع قطر. لكنها شغوفة الآن بأن لا تنفلت الكثير من التفاصيل وبدأت تسأل الشركاء والحلفاء الذين وضعوا مخططاً لعزل قطر عن خطوتهم التالية وفهمهم لحقيقة الانعكاسات. والأهم تريد ان تتأكد بأن عواصم مثل واشنطن وابو ظبي والقاهرة والرياض لديها سيناريوهات و«بدائل» للتعامل مع الملفات الكبرى والأساسية سالفة الذكر.