لا عجب إن اعترض طريقك أحدهم وهو يحمل كيس حليب تحصّل عليه بالمحسوبية ومن تحت الطاولة، وعلامات الفرح تتطاير من وجهه، ولا عجب أيضا إن قابلت آخر وهو يمسك بأوراق نقدية بين يديه ليس لعدّها، بل للتأكد من أنه ''ظفر'' بها بعد طول معاناة، وليكن الاثنان من الظافرين، الفائزين بهدية العيد، ونحن نهم للاحتفال بعيد الأضحى المبارك في جزائر .2010 لم أكن أتوقع أن نعود إلى عهد الطوابير، وبهذه الكثافة وفي أماكن شتى من وطني، ولم يكن يخطر ببالي أن يتساوى البطال والعامل في نهاية الشهر، ويشتركان في امتلاك صفة الجيب الخاوي، وكلاهما يشكو العوز والحاجة، ويمد يده للغير حتى يتدبر أحواله منتظرا الفرج من مؤسسات بريد الجزائر. أصابني التيه الفكري وأنا أحاول إيجاد الكلمات والجمل، بل المنطق الاقتصادي الذي يمكنني بفضله شرح ما يجري من تواطؤ لندرة الحليب والدينار معا، لشيخ أراد فهم ما يجري من حوله وهو يقسم بأغلظ الأيمان أن خلو الدينار من صور البقر الحلوب هو ما أنزل اللعنة بالعملة وبما تفرزه ضروع تلك الحيوانات معا، كافرا بأي منطق آخر غير تحليله. أنصح المقبلين على شراء الأضحية أن يتقدموا بطلب إلى البنوك، علها تتفهم وضعيتهم وتهتدي إلى قبول بيع الأضاحي بالتقسيط، حتى يحين فرج مؤسسات بريد الجزائر، وإن حصلوا على الموافقة فليتجنبوا الكباش، وأن يحوّلوا أبصارهم إلى الماعز، ففي هذه الأخيرة منفعتان: منفعة الأضحية والتقرب بها إلى الله، وكذا تحاشي الطوابير والاستنفاع من حليبها، ولو إلى حين. وعلى الجزائريين إن أرادوا الحفاظ على ثقافة شرب الحليب، وأن يتجنبوا يوما نصحو فيه على أطفالنا وهم يقبلون على الحليب للاغتسال بدلا من الشرب، مثلما حصل مع تلميذة إحدى مداشر البويرة التي راحت تكتشف الموز لأول مرة عند التحاقها بالمدرسة، فأقبلت على تناوله بقشوره.. عليهم أن يعودوا إلى تربية البقر الحلوب ولو في العمارات لتجنب كل المشاق. وريثما تنتهي معاناة الجزائريين مع طوابير الحصول على أكياس الحليب، والظفر برواتبهم، نقول لهم عيدكم مبارك.