شغلته الأسطورة .. فراح ينقب عن جذورها ، ويبحث عن منشئها وأصولها..ويجالس رواتها .. جاب الأقطار..وتنقل في القارات وجاب البلدان والأمصار .. وأخيرا عرف أن الأسطورة ليست خرافة ، وليست شطحات مخيال ..تأكد خليل حنا تادرس أنها أحداث حقيقية.. وقعت ذات زمان .. ذات مكان .. أحداث خارقة حد عدم تصديقها .. أحداث واقعية مدهشة .. مذهلة .. تحملك على بساط العجب .. وتنقلك إلى عوالم الروعة والدهشة .. مرة حط بساط العجب بالكاتب في عوالم فاوست .. الملحمة الخالدة للشاعر الفذ غوته.. بدأها هكذا : ''الله'' و''الشيطان'' يتنازعان روح الإنسان... الخالق يؤمن بمخلوقاته ، أما الشيطان الجاحد يكفر بكل شيء ، ويرتاب في كل شيء .. هو المتشكك الخالد الذي يفضل الفناء في الوجود ، ولا يرى معنى لمسرحية القدر التي لا تنتهي ... التي تخلق البشر لكي تهلكهم بعد ذلك ''. فهو يفضل على '' الدنيا ذاك الفراغ الدائم الذي بدا منه الكون رحلته العقيمة خلال الزمان والمكان .. هذا ما جعله يكرس وجوده في إغواء الخليقة ونكران حكمة الله وطيبة البشر.. *الله: ألا تجد إنسانا واحدا طيبا على الأرض ؟ -مفيستو '' الشيطان '' : ولا واحد .. البشر جميعا اشد وحشية من الوحوش .. الله : حتى فاوست ؟ - مفيستو : حتى فاوست .. إنه مثل بقية البشر ولكي يثبت الشيطان نظريته يعرض عن ربه أن يتخلى له عن فاوست فترة كي يجربه : '' أعطني إياه فترة قصيرة وأنا الكفيل بإفساد روحه إلى الأبد ''. ويقبل الله الرهان : واثقا بأن الشيطان سوف يخسره .. *الله: عندما تثور في الإنسان شهواته ، لا يستطيع أن يخطئ ويضل ، ولكنه في غمار ضياعه في دجى الليل .. يتجه بغريزته نحو النور .. وما إن قبل الطرفان الرهان هبط الشيطان إلى الأرض كي يجرب ويمتحن '' فاوست ''ليلة عيد الفصح وقد أوغل الليل وسيطر على غرفة كالقبو ، يطل نور القمر من خلال نوافذها القذرة التي يلطخ التراب زجاجها .. فلا يكاد يضيء اكواكم الكتب والمؤلفات الضخمة القديمة التي تتراكم صفوفها لصق الجدران التي سودها الدخان .. والى منضدة صغيرة جلس رجل في ثياب العلماء القاتمة الوقورة .. إلى مكتبه يطالع بعينين توهجت فيهما نار الحماس للبحث عن الحقيقة .. .. إنه فاوست العالم الألماني العلامة ، الذي اشتهر في جميع الآفاق بعلمه وطيبته ونزوعه الدائم إلى الخير .. لكنه يحس ليلة عيد الفصح هذه بفيض من المرارة في قلبه .. تبين له أخيرا أن جهاده المتواصل خلال ربع قرن قد أظهر له تفاهة وعقم العلم والمعرفة البشرية .. ورفع عينيه عن الكتاب المبسوط أمامه وأخذ يسائل نفسه : لقد تعمقت في الفلسفة والقانون والطب والدين وأرقت عليها عصارة دراساتي الطويلة بحمية ونشاط .. وها أنذا في النهاية أتبين أني لا أكاد أعرف شيئا ، ولا أكاد أصل إلى نتيجة . وأن معارفي كلها لا تساوي كثيرا..وليست أكثر من قطرة في بحر .. فيا لجهلي وغبائي وحماقتي .. إن هذا ليحرق القلب .. ويحس فاوست أن كل تلك السنوات التي قضاها في العمل والبحث المتواصل قد ضاعت سدى .. كل وقته وعمره أنفقه بلا فائدة غارقا في الدراسات العقيمة لم يستمتع يوما في حياته، وهو لا يعني بالاستمتاع تلك الملذات والتمتع بالحب والضحك والرقص .. فإن أوان ذلك على أي حال قد انقضى وهو الآن قد شاخ بل يعني ذاك الطريق الآخر إلى الحياة إلى المشاركة الدالخلية مع قوى الطبيعة نفسها، إلى الحياة البشرية السامية وفق المثل العليا ، وهذا الطريق يرسمه الكتاب الفلكي الذي أمامه '' طريقة نوستراداموس السحرية '' وفيما هو يقلب صفحاته يقف عند رسم بياني غامض ، وفجأة يخيل إليه أن سر الكون قد انكشف لعقله .. ثم يعود فيدرك اليأس الذي يعقب رؤى التصوف الروحي ، فيعود إلى تقليب صفحات الكتاب .. ومرة أخرى يعصف بصدره أمل جبار حين يعثر على علامة ترمز إلى روح الأرض فيشعر أنه يكاد يتوصل إلى فهم أسرار القوة التي تربط لبن القلوب البشرية وتنسج تلك الخيوط المتقاربة التي تسبب الفرح والألم ..ويستعين فاوست بكل المعارف التي اكتسبها طيلة ربع قرت فينطق بتعويذة خاصة يستدعي بها إليه روح الأرض .. فتظهر له الملذات والمتع من كل صنف .. ويتأمل فاوست تلك المظاهر الصاخبة للبهجة فيحس أنه حقا في يوم عيد وأنه إنسان .. وهو إحساس حرم منه طوال مرحلته الدراسية .. ولكن كلبا أسود اعترض طريقة وتبين له في الأخير أنه روحا شريرا وهو نفسه مفيستو الذي استحال فجأة إلى طالب علم ودخل في جدال مع فاوست إلى وعد ه هذا الأخير بأن يكون عبده المطيع في هذه الدنيا على يكون فاوست عبده في الآخرة. فاوست : وكم من سنة سوف تخدمني في الأرض ؟ هذا أمر متروك لك أجابه مفيستو .. خاضا الاثنان مغامرات عديدة .. عشقية ومالية لكن وفي اللحظة التي ينبذ فيها فاوست السعادة يجدها بين يديه .. فينثني عن كل ما كان يفعل ويشرع في تنفيذ مشروع ضخم يرمي إلى ردم المستنقعات القريبة من البحر وإنشاء مساكن للفقراء.. وتأكد أن ذروة السعادة هي عندما ينسى الإنسان ذاته ويعمل من أجل الآخرين، وببلوغه حلم حياته يصل فاوست إلى نهاية عمره، وقد ربح الشيطان الرهان، فهو طلب روح فاوست مقابل انتصاره وتحقيق سعادته ..