ذلكُم النّجم الّذي أفَل في سماء السنة في الجزائر هو العلامة المحدث الشيخ محمد شارف، وهو لمَن لا يعرفه، من حفّاظ الحديث وروّاته، وهو سليل الدوحة النّبويّة الشّريفة، إذ ينتهي نسبه إلى الحسن بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، حسبما تشهد به المدونة الّتي وقّع عليها خمسة وعشرون مسنا، زكّاهم قاضي الجزائر نفسه. إنّ الشيخ محمد شارف الّذي حفظ القرآن ولم يتجاوز العاشرة من عمره، الّذي فارقنا يوم الخميس 02 محرم عام ,1432 الموافق ل06 جانفي ,2011 قد أخذ العلم عن مشايخ الجزائر في عهده، كما تتلمذ لمشايخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فجالس الإمام عبد الحميد بن باديس، والشيخ محمد البشير الإبراهيمي، والشيخ الطيب العقبي، في نادي الترقي، وتحصّل على رتبة الإمامة عام ,1936 وسجن سنة 1939 حتّى ,1949 وبعد الاستقلال عُيّن إمامًا خطيبًا ليتنقل على مساجد العاصمة مدرّسًا تارة وخطيبًا أخرى، وقد كان -عليه رحمة الله- يُمثّل مرجعية دينية موثوقة، حيث كان النّاس يستفتونه ويقفون عند فتواه. ومن أبرز ما أذكره له وأشكره، أنّه -عليه رحمة الله- قد ساهم بفعالية في دروس ختم البخاري، الّتي كانت مقتصرة على الجامع الكبير، والّتي رأيت مع الشيخ محمد كتو -رحمه الله- بعد أن تولّيتُ وزارة الشؤون الدينية في الثمانينات أن أعمّمها على مساجد العاصمة، وأن أدعو النّاس إلى حضورها، فكان يتولّى هو جانب الرّواية منه، بينما اختصصتُ بجانب الدّراية، فكنتُ أوزّعُ على الحاضرين نص الحديث مطبوعًا، ثمّ أتولّى شرحه مستخرجًا منه ما انطوى عليه من عظات وعبر بيانية وفكرية وخلقية واجتماعية، وذلك أسوة بما كان معهودًا في جامع الزيتونة، وكانت تلك الأختام تبدأ كلّ أوّل يوم أحد من رجب، انطلاقًا من مسجد سيدي عبد الرّحمن الثّعالبي، لتنتقل منه إلى الجامع الكبير فالجامع الجديد، لتختتم في السادس والعشرين من شهر رمضان المعظم من كلّ عام، بحضور السلطات الرسمية والشعبية، وقد كانت مساهمة الشيخ محمد شارف -عليه رحمة الله ورضوانه- في تلك الأختام مساهمة بالغة الأهمية، بعيدة الأثر، نظرًا لما كان يتمتّع به من كفاءة في رواية الحديث. إنّ فقد الجزائر للشيخ محمد شارف -تغمّده الله بالرّحمة والرّضوان- يعني فقدها لرواية حديث ثقة، وهو أمر بالغ الخطورة، لقلّة رُوَاة الحديث في هذا العصر الموثوق في حفظهم، وأمانتهم، ووَرَعهم، فحقّ لها إذن أن تبكيه وأن تحزن لفقده، لأنّ الأمر على ما وصف الحسن البصري رحمه الله: ''فإنّ موت عالم يحدث في الإسلام ثلمة لا يسُدّها اختلاف الليل والنّهار''. فاللهَ نرجو أن يتغمّد الفقيد برحمته وأن يسبغ عليه جميل رضوانه، وأن يسكنه فسيح جنانه، وأن يرزق أهلَه وذويه جميل الصّبر والسّلوان، ونسأله جميل العزاء للشّعب الجزائري وللأمّة العربية والإسلامية، كما نسأله سبحانه أن لا يفتنّا بعده، وأن لا يحرمنا أجرَهُ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.