لم يكن مارك زكربرغ الطالب بجامعة هارفارد الأمريكية يتصوّر أن الابتكار الذي أنجزه في الرابع من شهر فيفري سنة 2004، في غرفة نومه بأحد الأحياء الجامعية وعمره لم يتجاوز آنذاك العشرين عاما، سيحدث ثورة في العالم، خاصة في مجال الإيصال من خلال الشبكة ''فايس بوك'' الاجتماعي. ولم يكن هذا الشاب يتصوّر أن هذا الابتكار سيساهم في انتخاب رئيس أقوى دولة في العالم ويطيح برؤساء نصبوا أنفسهم أوصياء على شعوبهم مدى الحياة. '' غوغل''، ''ياهو''، ''أم أس آن''، ''يوتيوب''، ''فايس بوك''، ''تويتر''... أو فلنقل صناعة القرن الواحد والعشرين التي لا يحبها كل الحكام العرب، بل منهم من أعلن عليها الحرب وراح يجتهد في محاولة لتوظيفها بما يتماشى مع تعزيز سيطرته وتحكمه في زمام الأمور، في حين استقبلها المواطن العربي بصدر رحب وراح يتفاعل معها مستغلا فضاءاتها الحرة التي لا حدود لها من أجل خلق شبكات اجتماعية تفاعلية تتبادل فيها المعلومات والآراء والأفكار وتشاهد أفلاما قصيرة وصورا حية لأحداث عادة ما يتم التعتيم عليها من قبل وسائل الإعلام الحكومية والرسمية، إلى درجة أصبحت هذه المواقع تنافس الفضائيات في نقل الصور إلى المشاهدين في مختلف أنحاء العالم، كما حدث مؤخرا في تونس والجزائر واليمن والأردن وبلدان أخرى. ويكفي في هذا الصدد ذكر ما حدث في مصر في السادس من أفريل 2008 حين نجحت ''إسراء عبد الفتاح''، وهي موظفة بإحدى الشركات الخاصة، في تحريك الدعوة إلى الإضراب عبر ''الفايس بوك''، وفعلا بدأت الحركة نشاطاتها على مواقع الأنترنت قبل أن تظهر في شوارع القاهرة. أما في تونس فقد اكتشف الجميع حقيقة ما يجري منذ البداية بالصور عبر ''اليوتيوب'' والفايس بوك''. بالرغم من هذه الحقائق الناصعة والواقع الجديد الذي أفرزته ثورة صناعة القرن الواحد والعشرين، إلا أن الحكام العرب ما زالوا يتصرفون وكأنهم يعيشون خارج الزمن، يتصدون للاحتجاجات بمزيد من القمع والغلق بدلا من محاولة التنفيس عن الشعوب الغاضبة ويوجهون أصابع الاتهام كعادتهم، إلى أطراف داخلية وخارجية، ويختصرون مشاكل المواطن العربي واهتماماته وطموحاته وآماله في المواد الغذائية، وفي أكثر تقدير الشغل؛ حيث سارع الجميع إلى الإعلان عن دعم المواد الغذائية للإبقاء على الأسعار منخفضة ولو نسبيا. في حين وجهت أصابع الاتهام هذه المرة إلى''فايس بوك''، واليوتيوب وشدّدت الرقابة على الرسائل القصيرة للهاتف النقال، خوفا من أن تستعمل هذه الوسائط في تبادل المعلومات والتنسيق والتجنيد والحشد. ويعتبر في تقديري هذا التصرف هروبا إلى الأمام. فالرئيس التونسي المخلوع بن علي أبدع في الغلق وفرض رقابة لا مثيل لها على الأنترنت والصحافة عموما، فكانت نهايته، كما قال الفنان الراحل كمال مسعودي: ''كانت عندو لقصور والسرايا يعسوا عليه بالألوفات.. وفي ليلة وعشية تقلبت الحية ما لقاش وين يبات''... إذا ما جدوى التعتيم والتدجين وغلق الإذاعات والتلفزيونات وفرض الرقابة على الأنترنت والرسائل القصيرة للهاتف النقال عندما أصبح اليوم بإمكان كل مواطن أن يملك جرائد وإذاعات وتلفزيونات في العالم الافتراضي، يتلقى ويبث من خلالها الأخبار والصور؟