رغم الإمكانيات المالية التي تتوفر عليها الجزائر، إلا أن ذلك لم يمنعها من أن تتصدر قائمة التصنيف الذي وضعته الوكالة الأمريكية للتصنيف المالي ستاندرد آند بورز، بالنسبة للدول المعرضة إلى اهتزازات واضطرابات سياسية مشابهة لتلك التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي في تونس. فهل ستقرأ السلطة ذلك على أنها مجرد توقعات عابرة، أم هو تحذير جدي يفرض التجاوب معه قبل فوات الأوان؟ وضعت الجزائر ومصر والأردن وبدرجة أقل المغرب، ضمن قائمة دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط المهددة أكثر من غيرها ب''الاضطرابات السياسية'' كتلك التي عرفتها تونس، وكانت وراء سقوط نظام الرئيس بن علي وهروبه خارج البلاد. هذه المعاينة التي أجرتها الوكالة الأمريكية للتصنيف ستاندرد آند بورز، بنيت على أساس أن الدول الأربع المذكورة (الجزائر، الأردن، مصر والمغرب) تتقاسم تقريبا نفس الأوضاع والمعطيات، وتلتقي في نفس عوامل الانفجار الاجتماعي الذي وقع في تونس. وأشارت الوكالة الأمريكية في هذا الصدد، إلى مستوى البطالة العالية وسط الشباب الموجود في هذه الدول، وكذا ضعف قدرات اقتصادياتها والارتفاع الحاد لأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية بأسواقها الداخلية، بالإضافة إلى غياب الحريات السياسية والمدنية. هذه المعطيات، حسب الوكالة الأمريكية، تؤثر في القرارات الصادرة عن الهيئات المالية والاقتصادية بخصوص ال''تنقيط'' المخصص لبلدان المغرب العربي والشرق الأوسط، خاصة على ضوء امتداد ما حدث في تونس عليها. لكن حتى وإن أشارت الوكالة إلى مسارعة الحكومة الجزائرية لتخصيص 350 مليون دولار لدعم أسعار المواد الأساسية عقب الاحتجاجات التي شهدها الشارع، غير أن ذلك يبقى مسكنا ظرفيا ليس بوسعه ''طي الصفحة'' مثلما ذهب إليه وزير الداخلية، لأن المطالب الاقتصادية جرّت معها مطالب سياسية تدعو لمزيد من الانفتاح السياسي والإعلامي ورفع حالة الطوارئ. وهي من بين الشعارات التي دعت إليها مسيرة ''التنسيقية الوطنية للديمقراطية والتغيير'' ليوم 12 فيفري المقبل. وقد أحسّت السلطة بحجم الاحتقان الاجتماعي، بحيث بادرت الحكومة بإجراءات لمعالجة الملفات التي ظلت عالقة على غرار تسوية نظام التعويضات للموظفين واستيراد كميات كبيرة من القمح لتموين المخابز والحيلولة دون وقوع ندرة. وطالبت وزارات التربية والنقل والبريد بإدماج الموظفين المتعاقدين، كما بادرت وزارة العمل باتخاذ إجراءات من أجل إعادة ''تفعيل الآليات العشر '' لتشغيل الشباب. وهو نفس ما ذهبت إليه وزارة التكوين المهني من خلال تنصيب هيئة تنسيق وطنية ما بين القطاعات التي يرأسها الرئيس المدير العام لشركة ''كوسيدار'' من أجل ربط سوق العمل بالتكوين لامتصاص البطالين. غير أن مطالب ''التغيير'' في الشق السياسي تبقى لحد الآن الغائب الأكبر في تعامل السلطة مع تداعيات أحداث الشارع سواء في الجزائر أو في تونس ومصر، وكل ما تردد في هذا الإطار إشاعات عن تغيير الحكومة وتصريحات بأن الوضع في الجزائر مختلف عن البلدان الأخرى. ولعل ذلك وراء صمت رئيس الجمهورية وعدم إعلانه إلى حد اليوم عن أي خطوة، باستثناء منع مسيرة الأرسيدي. وهو مؤشر على أن السلطة ما زالت في مرحلة ''الحسابات'' حول كيفية التصرف مع حقائق غضب الشارع، رغم أن عامل ربح الوقت سيف ذو حدين.