عندما كان ثوار مصر يواجهون رصاص حسني مبارك بصدور عارية، لم يجد شيخ الأزهر، أحمد الطيب، سوى أن يدعوهم للحوار مع السلطة، وترك الاعتصام والمظاهرات، لأنها تثير الفتنة. وقد اضطر طلبة وشيوخ أزهريون للخروج بأنفسهم إلى ميدان التحرير لمساندة الثوار، حتى لا تسحب عليهم مواقف رأس الهيئة الإسلامية العليا في مصر. ولم يكن يتوقع أحد أن يفتي أحمد الطيب بما لا يخدم مصلحة النظام في مصر، لأنه كان موظفا عند حسني مبارك، هو الذي عينه، وبيده إقالته من منصبه متى شاء. وقد تعودنا على شيوخ الأزهر، قبله، يسوغون للرئيس كل ما يقوم به، حتى لو كانت خيانة الأمة، وإهدار مقوماتها. ماذا فعل الأزهر لمنع التوقيع على اتفاقية العار مع إسرائيل؟ وهل تحرك عندما قرر حسني مبارك بيع غاز المصريين إلى العدو الصهيوني بأقل من سعر التكلفة؟ ما يذكر عن سلفه الراحل محمد سيد طنطاوي أنه صافح بحرارة بالغة رئيس إسرائيل، ومجرم الحرب، شمعون بيريس. كما أقر بناء الجدار الحديدي على الحدود مع غزة، بطلب من إسرائيل. شيخ الأزهر يدعو، اليوم، السلطة في ليبيا إلى أن تستجيب لمطالب المحتجين وتخضع لإرادة الشعب. وقد كان قبلها بأيام يلوم الثوار على وقوفهم ضد الحكومة، ويتهمهم بإثارة الفتنة. ما الذي تغير فجأة؟ وما الذي جعل الأمور تنقلب رأسا على عقب؟ كل ما هناك أن الاحتجاجات ليست ضد النظام المصري، ولا تحرج الشيخ مع من يدفع له راتبه. أو ربما أن الشيخ أحمد الطيب شعر بتأنيب الضمير على موقفه ''غير المشرف'' من الثورة في مصر، فأراد أن يتدارك الأمر بوقوفه مع الحق في ليبيا، وثورتها على ظلم طاغيتها معمر القذافي. لكنه وضع نفسه في موقع اتهام مرة أخرى. ولو أنه سكت في الحالتين، لكان خيرا له.