هناك حكمة فرنسية تقول: Les grands hommes proposent a leurs peuples un destin, quant aux autres ils ne proposent que des dessins تذكّرت هذه الحكمة وأنا أحاول التّمعن في هذه الوجوه التي يُقال إنّها تقود الحياة السياسية، وأنها ستقود حوارا لإصلاح حال الحكم. الواقع أن الإجابة كانت جاهزة عندي: مازلنا في مستوى الحسابات الصغيرة أو التافهة، حسابات السلطة والاحتفاظ بالسلطة، وليس التفكير في صياغة رؤية لمصير بلد وشعب. هذه الوجوه لا تملك خصائص موضوعية تجعلها ترقى إلى مستوى الرجال الذين يصنعون التاريخ. رجال السلطة مثل هؤلاء الذين عَنيْتهم كثيرون، وما نفتقده هو رجال السياسة، وما نحتاجه في هذه المرحلة الحاسمة في تاريخ البلاد هو رجال دولة ، وما تحتاجه البلاد بالأخصّ هو قيادة. الرئيس بوتفليقة واحد ممن صنعوا هذا الحكم، وتعوّدوا على هذا الأسلوب في الحكم كما تعوّدوا على تقييد المجتمع وعلى السلطة المطلقة. وكل سلطة مطلقة مَفسدة مطلقة كما يقال. لهذا فنحن اليوم أمام مجموعة بشرية تحتل مكان النخبة في البلد. خارطتها الإدراكية بخصوص الدولة محدودة وفاسدة. إنها تحتل مواقع السلطة ولكنها ليست قيادة ولا يمكنها أن تكون، لأنها لا تتوفر على أبسط مواصفات القيادة، أي امتلاك رؤية، فكرة، حلم. كما أنها لا تملك القدرة على تجنيد الجزائريين وزرع حلم بناء دولة القانون ودولة الحرية. إنهم يحاولون تجاوز مرحلة الانتفاضات العربية وانعكاساتها بالتحايل، وذلك لإنقاذ النظام النيوكولونيالي مرة أخرى ولأطول مدة ممكنة. إن السلطة تحاور نفسها في الواقع، في حين مفترض أن يكون الحوار مع من تختلف معهم، مع من يتبنون آراء أخرى أفكارا أخرى، مع من يمثلون مصالح أخرى. ماذا يقترحون علينا في ما يسمونه الحوار؟ ترقيعات أو ربما ترتيبات سلطوية وحتى ربما إعادة توزيع مناطق النفوذ؟!! إنهم يغالطون الجزائريين عندما يحاولون الإيهام أن الجزائر لا تملك غيرهم وأن المعارضة هي هذه ''العرائس'' التي يحركونها في الساحة، وأنه ليس هناك غيرها، وأن هذا هو الممكن الوحيد!! أطلِقوا الحرية يوما وسترون، افتحوا الباب لاعتماد أحزاب جديدة وسترون، حرروا إنشاء الجمعيات وسترون، حرروا الإعلام وسترون. أما إذا قصد البعض أنه ليس هناك من هو قادر على انتزاع الحرية فهذا موضوع آخر، لأننا نتحدث انطلاقا من فرضية التغيير السلمي وليس المواجهة. ولكل مقام مقال. ماذا يمكن أن يأتي به بلخادم وأويحي والبيروقراطيات التي تحيط بهما، وماذا يمكن أن يأتي به سلطاني وهو غارق في عسل السلطة وهو لا يملك في الواقع، مثل حلفائه، أي رؤية عن الدولة التي يريد ''الإخوان'' في الجزائر أو في أي مكان آخر إقامتها. ما الذي يمكن انتظاره من أجهزة أحزاب أخرى، بعضها لا يمثّل أي شيء ولا يمثّل بالخصوص أي فكرة سياسية يمكن أن نناقشه فيها، وبعضها الآخر هو امتداد من امتدادات السلطة أو عصبها، وهو حال حزب سعدي وحزب تواتي. أما حزبي العمال والأفافاس فقد فقدا منذ سنين دورهما، وصارا إما مجرد مظهر تبريري للحكم، وهو حال حزب العمال، أو دخل ما يشبه الاحتضار السياسي أو حتى الانتحار السياسي وهو حال الأفافاس. لا إنه عبث. البلد في حاجة لثورة سياسية لبناء نظام سياسي وإقامة مؤسسات دولة حقيقية. هل هناك من هو مقتنع في الجزائر أن مجلس زياري أو مجلس بن صالح لهما أي دور أو يمكن أن يكون لهما دور، خاصة تمثيل مصالح الجزائريين على تنوعها؟ لا إنهم يمثلون السلطة وعصبها وليس الجزائريين. هؤلاء ينتظرون الأوامر لأنهم لم يتعوّدوا على التفكير الحر وهم قادرون على شيء واحد إعادة إنتاج آليات الحكم نفسها. هل يمكن انتظار أن يدفع الرئيس بوتفليقة الأمور باتجاه تغيير النظام السلطوي القائم أو حتى التنازل فقط عما ضمنه من صلاحيات رئاسية في تعديله الأخير؟ إذا حدث فذلك يعني أنه لا يملك أي رؤية ثابتة وواضحة عن الحكم الذي يريده، أو أنه لا يملك سلطة على هذه التعديلات التي حدثت والتي ستحدث!! وحتى يظهر رجال عظماء يقترحون على الجزائريين مصيرا، كما فعل قادة نوفمبر، لابد من الكثير من الحرية، وهذه الحرية لن تأت من السلطة الحالية وشخوصها، من رئيسها إلى مجموع مساعديه الأقربين والأبعدين. لأنهم لا يزرعون أحلاما بل قتلوا ويقتلون الحلم عند الجزائريين.