اتفقت مع أويحيى على أن يتفادى متطرفو الجانبين إحياء الجراح القديمة l لا فائدة من طرح أسئلة عما حدث قبل 100 سنة استبعد وزير الخارجية الفرنسي، ألان جوبي، أمس، أي خطوة في اتجاه تعبير صريح من فرنسا عن اعترافها بجرائم الفترة الاستعمارية. وقال بخصوص مطالب الجزائر في إطار الاشتغال على الذاكرة: ''ينبغي أن نتوجه إلى المستقبل وليس إلى الماضي.. ينبغي ألا نبقى نجترّ الماضي الاستعماري''. وأحال المهتمين بالقضية إلى تصريحات ساركوزي بقسنطينة عن ''الطابع الظالم للاستعمار'' على سبيل التأكد بأن ذلك كان أقصى ما يمكن تقديمه للجزائريين. سأل صحافي، ألان جوبي، أمس أثناء ندوة صحفية نظمها مع وزير الخارجية، مراد مدلسي، بجنان الميثاق، عن مدى استعداد فرنسا لتحمّل مسؤولية ماضيها بالجزائر المتميز بجرائم ضد الإنسانية، فقال: ''لقد اعترف الرئيس نيكولا ساركوزي (لما زار الجزائر نهاية 2007) بالطابع الظالم للاستعمار ولكن فرنسا لن تتعهد بأي شيء في اتجاه الاعتراف بالذنب''. وأضاف في هذا الموضوع الذي يعيق التطبيع الكامل للعلاقة الثنائية: ''ينبغي ألا نبقى نجتر الماضي إلى مالا نهاية، بل ينبغي التركيز على ما يمكن أن تعمله فرنساوالجزائر في عالم يشهد تغيرات، وذلك خدمة لمصالحهما.. إننا متجهون إلى المستقبل وليس الماضي''. ودعا جوبي إلى تجاوز الماضي ''لأنني أعتقد أن ذلك أفيد أكثر من طرح أسئلة من جديد عما حدث قبل 100 سنة أو 40 سنة حتى خمسين سنة''. ويعتبر كلام وزير خارجية الرئيس نيكولا ساركوزي، موقفا رسميا صريحا مفاده أن الفرنسيين لن يعترفوا بجرائم فترة الاستعمار، وأن أقصى ما يمكن المبادرة به في هذا الجانب، فعله ساركوزي في خطابه الشهير بجامعة قسنطينة، عندما قال إن الاستعمار ''فعل شنيع وظالم يستحق الإدانة''. وجاء تصريح جوبي قبل حوالي عام من مرور نصف قرن على استقلال الجزائر، ويعكس إرادة فرنسية لطي ملف الذاكرة والماضي الاستعماري بشكل نهائي. ومع أن هذا الموقف الفرنسي المعهود يثير حساسية كبيرة لدى الجزائر، فإن جوبي يرى بأنه ''لا توجد ملفات محل خلاف بيننا''. إذ قال: ''كل شيء مطروح للنقاش بيننا، ففرنسا عيّنت مسؤولا لمتابعة قضية التعويض بشأن التجارب النووية في الصحراء، واتفقنا (مع الطرف الجزائري) على تأسيس فوج عمل لحل مشكلة الأرشيف، وتتوفر إرادة من الجانبين للاشتغال على كل الملفات في جوّ يطبعه التفاهم وليس المواجهة''. مشيرا إلى أن العلاقات ''ممتازة في جوانبها الإنسانية''، مبرزا حجم الجالية الجزائرية الكبير بفرنسا. في ذات الموضوع، قال وزير الخارجية مراد مدلسي: ''صدر في فرنسا قانون لتعويض ضحايا التجارب النووية، ونسعى لإقامة فوج عمل لتكييف هذا القانون مع مطالبنا''. وأشار السيد جوبي، على هامش الندوة الصحفية، إلى أنه، خلال محادثاته مع الوزير الأول الجزائري، السيد أحمد أويحيى، بشأن الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر سنة 2012، أعرب الطرفان عن ''إرادتهما المشتركة ليتفادى متطرفو الجانبين إحياء الجراح القديمة بدون جدوى''. وقدّم جوبي خطابا براغماتيا مبنيا على التعاون الاقتصادي والشراكة الأمنية، حماية لمصالح البلدين على الصعيدين الاقتصادي والأمني. وقال إن فرص شراكة كبيرة متاحة للبلدين خاصة في مجال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وبخصوص تهديدات الإرهاب في الساحل، تحدث ألان جوبي عن وجود إرادة للعمل سويا لمكافحة الإرهاب. واعتبر فرنسا المستهدف الأول من قبل الإرهاب بمنطقة الساحل. وأضاف: ''نحن نشتغل في هذه المنطقة على ثلاث جبهات: محاربة الإرهاب والجريمة والفقر''. وقد أخذ الملف الليبي الجزء الأكبر من زمن الندوة الصحفية. وحرص رئيس الدبلوماسية الفرنسي على التأكيد بأن ''ما يحدث في ليبيا ليس تدخلا فرنسيا وإنما تدخل من الأممالمتحدة يحظى بدعم الجامعة العربية ويندرج في إطار حماية المدنيين''. وأوضح بأن التدخل العسكري الفرنسي ''ليس هدفا في حد ذاته، لأننا نفضّل الحل السياسي ونعمل من أجله''. وشدد على ''ضرورة رحيل العقيد القذافي من السلطتين السياسية والعسكرية لأنه لم يعد يملك الشرعية''. وذكر مدلسي في ملف ليبيا، أن موقف الجزائر ''كان منسجما منذ البداية مع الموقف الإفريقي والعربي، ونحن على يقين بأن معالجة الأزمة تتم سياسيا''. مشيرا إلى أن الجزائر ''ستتبنى موقفا جماعيا في حال تعلق الأمر بالاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي''. وحول الجدل الذي أثاره موضوع المرتزقة، قال جوبي إن اتهام الجزائر بتوفير الرعاية لمسلحين يدعمون القذافي ''إشاعات واتهامات غير مؤسسة''.