يعتقد الشاعر البحريني، قاسم حدّاد، أن ما عاشته البحرين من حراك سياسي لا يختلف عمّا تشهده المنطقة العربية من ثورات شعبية. ويؤكّد صاحب موقع ''جهة الشعر'' في حوار ل''الخبر''، على هامش فعاليات صالون كتاب وأدب الشباب بالجزائر العاصمة، أن النظام لم يحتو الثورة، وأنه ذاهب إلى تطبيق الملكية الدستورية لا محالة. كيف ذهب قاسم حداد في ''جهة الشعر''؟ إنه لسؤال صعب. إن كنت تشير إلى الشعر، أعتقد أن طبيعة الميول المبكّرة للكاتب هي التي تساعده في البحث عن شكل تعبيري يناسبه، إضافة إلى عناصر الوعي والقراءات المبكرة، والرغبة في البوح عن المعاناة والمشاعر الإنسانية. وإن كنت تشير إلى الموقع الإلكتروني، فإن ما ساعدني على الاتصال المبكر بهذه الوسائط هي علاقتي بالكتابة على الكمبيوتر منذ منتصف الثمانينيات. أغرتني فكرة النشر الإلكتروني التي تتمتّع بميزتين رائعتين، هما الجمال والحرية، وهما عنصران يمنحان الشعر المكانة المناسبة واللائقة بالإبداع، وأنا أتعامل معها شعريا أكثر منها تقنيا، أي بوصفها حوارا واتصالا إنسانيا، وليس بوصفها انتشارا إعلاميا. كيف تقارب الثورات الشعبية العربية؟ الحراك العميق والانتقالات الطبيعية التي يعيشها العالم العربي اليوم، ليست فقط نتيجة للدور الكبير الذي تؤدّيه وسائل التواصل والحوار، بل لضرورات موضوعية نابعة من عمق المجتمع الذي تراكمت فيه المعاناة الاجتماعية، دون أن تجد منفذا أو أفقا تحت السقف السميك للأنظمة العربية، بشتى أنواعها. الدرجة الواضحة من العفوية تؤكّد أنه نابع من انعدام الطبقة الوسطى التي استطاعت الأنظمة محوها. ما يميّز الحراك هو بروز الشباب في مقدّمة البحث القلق والأصيل عن مستقبل أفضل. ثمّة حقيقة واحدة هي حاجة الإنسان العربي إلى التغيير. وما يطرحه في العمق أبعد من الشعارات التي يرفعها البعض، إلى إعادة مقاربتنا لمفهوم الشعب ومكوّناته، فكريا واجتماعيا، ودور ما يسمى، تقليديا، النخبة المناضلة أو الثورية أو المثقّفة. هذان المفهومان يحتاجان إلى مراجعة جريئة، حتى لا نفوّت فرصة تحقيق أحلام هذا الحراك. كونك شاعرا بحرينيا، يعني أنك شاهد عيان على الحراك الشعبي البحريني، فهل يمكن القول إنها كانت ثورة نجح النظام في احتوائها؟ لا أميل إلى نظريّة المؤامرة، وما قلته سابقا ينطبق على البحرين التي تشهد هي الأخرى تحرّكا شعبيا ومطالب مشروعة، مثلها مثل غيرها من الدول العربية. ثمّة حوار قائم، لكن النظام لم يحتو هذا الحراك، فمن الخطأ أن ننظر إلى الثورة على أنها طلب وجواب، بل هي نضال يمر بمراحل مختلفة ومتواصلة من المراجعة، تحتاج نفسا طويلا. ما تعيشه البحرين هو تنظيم وإعادة نظر شاملة لكل المعطيات القائمة على كل المستويات. لماذا شذّت البحرين عن قاعدة الاستقرار في منطقة الخليج؟ البحرين ليست استثناء عن الخليج، لكنها تميّزت طوال تاريخها بكونها الأكثر كثافة وبروزا في تاريخها النضالي، وبتجربتها السياسية المتراكمة منذ بداية القرن الماضي. الملكية الدستورية اليوم هي أبرز المطالب التي يتّفق عليها أصحاب الرأي والمواقف الأساسية، وهي قيد المناقشة حسب علمي. وأعتقد أننا ذاهبون في هذا الاتجاه. هل أنت مطّلع على المشهد الأدبي الجزائري؟ علاقتي بالحركة الأدبية الجزائرية تعود إلى الستينيات، من خلال ما كان يصلنا من روايات وأشعار. تابعت مع تقدم الوقت التجارب الأدبية وكنت أهتم بالأعمال الجزائرية، سواء تلك التي تصدر في المشرق أو التي تأتيني من المغرب العربي عن طريق أصدقاء، وأشعر أن هناك اتجاهات تعبيرية جديدة في الشعر والرواية. وشخصيا، أرى النتاج الثقافي العربي في الأفق بوصفه حوارا عميقا في بنية الثقافة العربية، ولا أفرّق بين نص جزائري بالعربية أو بالفرنسية. فمع تطوّر الحياة، يحتاج الإنسان إلى قرين، وهذا القرين أجده في شاعر جزائري أو مغربي أو شاعر من جنسيّة أخرى. فكلما اقتربت من نص أي بلد، أشعر بتوحّدي مع الآخر. الجزائريون بالنهاية يمنحون الثقافة العربية نكهتهم الخاصة.