لم يخطر ببالي يوما أن أرفع قلمي لأكتب في جريدة ما، وإذا بالبداية تكون من ''الخبر''، التي كانت أول جريدة حاورتني في أولى خطواتي، وسنحت لي الفرصة اليوم للبوح بما يجول في خاطري، رغم أني لست صحفيا حتى، وإن تمنيت ذلك، لأن مستواي الدراسي لم يسمح لي بأن أكون أكثر مما أنا عليه الآن، يعني شاعرا شعبيا متواضعا، أحاول تسلق النجاح، وأسعى لكتابة المزيد من الكلمات والقصائد لإثراء الفضاء الرحب لأغنية الشعبي الحديثة. فكلمات الضاد مكّنتني وأعطتني الشرف للتعرّف على أعمدة الفن الجزائري، الذين أكنّ لهم كل التقدير والاحترام. فنانون أغدقوا بعطاءاتهم اللامتناهية، فأثروا الساحة الفنية وانتهلوا من التراث، باعثين له تارة ومجدّدين تارة أخرى، ونقشوا أسماءهم في السجل الذهبي للثقافة الجزائرية، منهم من فارق الحياة رحمة الله عليهم، أمثال عمي محمد الباجي، كمال مسعودي، شريف قرطبي، ومنهم من لا زالوا أحياء بأوتارهم وفنهم، أطال الله في عمرهم، أمثال عمر الزاهي الذي كان لي شرف إحياء بعض الأفراح وإياه. يقشعر بدني وأنا أتذكر لقائي بشيخنا ''عميمر''، أتحدث عن هذا الفنان الذي يسبق تواضعه شخصه، وكان سندا لي بتشجيعاته. ففي أواخر سنة 2008 أحييت وإياه بالتداول فرحا في أحد أحياء العاصمة، وتحديدا بدالي إبراهيم، حيث كنت ألقي أشعاري الشعبية كلما أنهى ''قصيده''، وإذا بالحضور يطالبني ملحا بقصيدة ''أبنات حومتي''، إلا أنني تحفظت عن إلقائها خجلا واحتراما للشيخ عمر الزاهي، كونها قصيدة فكاهية شبابية، وإذا به يفاجئني بتفهمه، فقال لي ''يا ياسين، لقد عشت صغري وغنيت كل المواضيع، فمن حق الشباب الاستمتاع بوقتهم الآن، لبّ طلبهم دون أن تخجل مني''.. كلماته التي أثلجت صدري، كانت السند المعنوي بالنسبة لي، إذ فك أكبر شيوخ أغنية الشعبي عقدة خجلي. لا يمكن ليد الزمن محو سطور كتب القدر أن تكتب في سجل ذكرياتي، بتوقيع من عمر الزاهي في ذلك الفرح.. أتذكر أني اكتشفت في هذا الأخير الإنسان المتواضع المرهف الإحساس، المحافظ على عنفوان الشباب، والأب الحنون العطوف.. عند العشاء، لاحظ غيابي عن الطاولة، فسأل عني، وأنا الذي كنت أول من تناول الوجبة رفقة أهل العريس.. هي التفاتة ظلت راسخة في ذهني، ومحفورة بقلبي، تركت في نفسي إحساسا قويا لن أنساه ما دمت حيا. جعلتني دردشتي القصيرة مع الشيخ ''عميمر'' أكتشف أن ابن ''الرونفالي'' يعشق ''الشوكولاطة السوداء'' حدّ النخاع، وأني كباقي الجزائريين أعشق في الزاهي تواضعه، وأدعو له بطول العمر والصحة والعافية. ''ربي يخليك لينا يا شيخ الشيوخ''.