بعد أن عادت لليهود ثقتهم، واستقرّ رأيهم على مناوأة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وطمع رئيسهم حُيَيْ بن أخطب فيما قاله رأس المنافقين، فبعث إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنّا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدَا لك. فلمّا بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جوابه كبّر وكبّر أصحابه، ثمّ نهض لمناجزة القوم، فاستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وسار إليهم، وعلي بن أبي طالب يحمل اللواء، فلمّا انتهى إليهم فرض عليهم الحصار. والتجأ بنو النّضير إلى حصونهم، فأقاموا عليها يرمون بالنبل والحجارة، وكانت نخيلهم وبساتينهم عوناً لهم في ذلك، فأمر بقطعها وتحريقها، واعتزلتهم قريظة، وخانهم عبد الله بن أُبَي وحلفاؤهم من غطفان، فلمْ يُحاوِل أحد أن يسوق لهم خيراً، أو يدفع عنهم شراً. ولم يطل الحصار، فقد دام ست ليال فقط، وقيل خمس عشرة ليلة، حتّى قذف الله في قلوبهم الرُّعب، فاندحروا وتهيّأوا للاستسلام ولإلقاء السّلاح، فأرسلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: نحن نخرج عن المدينة. فأنزلهم على أن يخرجوا عنها بنفوسهم وذراريهم وأن لهم ما حملت الإبل إلاّ السلاح. فنزلوا على ذلك، وخرّبوا بيوتهم بأيديهم، وترحّل أكثرهم وأكابرهم كحُيَي بن أخطب وسلاَّم بن أبي الحُقَيق إلى خيبر، وذهبت طائفة منهم إلى الشام، وأسلَم منهم رجلان فقط: يامِينُ بن عمرو وأبو سعد بن وهب، فأحرزَا أموالهما. وقبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سلاح بني النضير، واستولى على أرضهم وديارهم وأموالهم، فوجد من السلاح خمسين درعاً وخمسين بيضة وثلاثمائة وأربعين سيفاً.