ودّع الدكتور فراس اللحام أمه في بيتهم الدمشقي العتيق قبل أربع سنوات، وحلّ بالجزائر ليستكمل تخصصه الطبي في جراحة الأنف والحنجرة. وفي بلاد الأمير عبد القادر، استقبل ابن الشام كابن عائد لأهله. لم يكن فراس اللحام يتصور وهو يغادر بلاده مهاجرا أنه لن يتذوّق الشعور بمرارة الغربة بعيدا عن حارات الشام العتيقة وعبق الياسمين الدمشقي، حيث تآلف مع أهل البلد في فترة قصيرة. وفي رمضان حيث يتضاعف الشوق للأهل والأحبة، تتهاطل الدعوات على فراس، الطبيب المقيم بمستشفى بني مسوس، لينزل ضيفا عزيزا على مائدة الإفطار الرمضانية في بيوت الأصدقاء والزملاء في الجامعة والمستشفى. يقول محدثنا الذي يصوم للسنة الرابعة في الجزائر: ''لم يترك أصدقائي لشعور الغربة مجالا ليعتريني، أحاطوني بودهم وحبهم وكانوا لي عائلة ثانية، ولم يتركوا لي حتى فرصة ولوج المطبخ منذ بداية الشهر الفضيل. فكل يوم أنا ضيف على عائلة جزائرية، أقاسمها مائدة الإفطار''. ورغم إقراره بشوقه الكبير لمائدة الإفطار السورية التي تبدع والدته أم فراس في تحضيرها، وخاصة سلطة ''الفتوش''، إلا أن ضيفنا السوري أصبح عاشقا كبيرا للطبخ الجزائري، وطبق لحم لحلو تحديدا. يقول فراس وهو يتحدث عن مائدة الإفطار الجزائرية: ''أتذكر في السنة الأولى لوصولي إلى الجزائر أنني سمعت زملائي يتحدثون عن لذة طبق اللحم لحلو، لم أستسغ الفكرة أول الأمر، لكن عندما تذوقته، وجدت فيه لذة لا تقاوم.. وأقول دائما إنه ما ينقص المطبخ السوري''. ويضيف ابن حارة الميدان أنه رغم الاختلاف الكبير بين المطبخين السوري والجزائري، إلا أنه تأقلم بسرعة، مواصلا: ''يختلف الطبخ السوري عن الجزائري تماما، فالأرز قوام المائدة السورية، إضافة إلى السلطات بأنواعها، والشوربة التي تحضر بالعدس أو الخضار دون لحم، بخلاف الشوربة الجزائرية. لكن، أحب كل ما يقدم على المائدة الجزائرية، على غرار البوراك والمحاشي، أقصد الدولمة، وتحديدا دولمة الأرضي شوكي والمسفوف على مائدة السحور''. ولأن شهر رمضان هو مناسبة روحية وشهر عبادة بالدرجة الأولى، لا يفوّت فراس صلاة التراويح التي يداوم عليها إلا في حال كان مناوبا في المستشفى، فيما يمضي سهراته ب''قعدة شامية جزائرية'' على إبريق الشاي والحلويات الرمضانية. ورغم شعوره أنه بين أهله، لا ينكر فراس حنينه لوالدته أم فراس ودفء بيتهم الدمشقي، خاصة في هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها سوريا، ليقرّر تمضية الأيام الأخيرة من رمضان بين أهله في الشام. ويواصل محدثنا: ''قلبي يؤلمني لما يحدث في بلادي، أتمنى أن يعود الأمن إلى الشام وتعود البسمة لأهله الطيبين، وأن نخرج من هذه الظروف الصعبة سالمين لأعود لأهلي في الجزائر بعد العيد وقلبي مطمئن''.