لا تتردد الحاجة الزهرة، سبعينية من المسيلة، في تفضيلها لعادات رمضان القديمة، على الحاضر الذي تقول إنه ''وقت سامط'' بمعنى أنه دون طعم، ومبرراتها في ذلك أن رمضان زمان في بوسعادة سنوات السبعينيات مثلا ''كنا نتهيأ لرمضان منذ بداية شعبان، بتبييض المنازل وإعداد الطعام وأواني الطين وصنع ''القنونة''، وهي قدح لشرب المياه مصنوع من الحلفاء، إلى جانب القربة ''وهي الوعاء المصنوع من جلد الماعز''. في رمضان زمان، تقول الحاجة الزهرة، كان الجيران يجتمعون ويفطرون في مجموعتين، الرجال لوحدهم والنساء في طرف آخر من المنزل، وكانت القهوة والمذكر ''كسرة مصنوعة من السميد وتحضر في حينها'' سيدة الموائد في السهرات الرمضانية. ''وكانت موائدنا تحوى في أحسن الأحوال السلطة والدشيشة فريك والفلفل المهرس في مهراس العود وقدحا من حليب وبعض التمر. وبخصوص الإفطار، فإننا في الزمن الماضي، تضيف الحاجة الزهرة، كان رمضان فرصة للمّ شمل العائلات، حيث لا يمكن لأي فرد من العائلة أن يفطر خارج بيت العائلة لأي سبب حتى ولو كان مستقلا ببيته، والسحور كان جماعيا ب(البقرير) و(المسمن)، وكانت ''الذواقة'' أي تبادل أطباق الفطور بمختلف أنواعها بين العائلات سمة الشهر الكريم ما لا يترك مجالا لأي عائلة أن تبقى دون فطور أو الاعتماد على طبق واحد، وهو ما جعل اللحمة بين العائلات تزداد والرحمة أساس العلاقة، وكان أرباب العائلات يتنافسون على إدخال ضيف على العائلة، لإفطاره سواء عابر سبيل أو محتاج أو فقير''. وبخصوص السهرات فإن ''التي أس أف''، أي الإذاعة، كانت حاضرة بقوة لدى العائلات ومنها يستمد النساء تعاليم دينهن من خلال الدروس الدينية التي كان يلقيها شيوخ كالشيخ محمد كتو، وعلى شاشة التلفزة كان الشيخان حماني وعبد الرحمان الجيلالي رحمهما الله، دليلي الصائمين في أمور الدين والدنيا، ''وكانت العائلات، تقول الحاجة الزهرة، تستعمل الأطفال لنقل الأخبار حتى نقل موعد الأذان للعائلات البعيدة، مكان الهاتف حاليا''. ''وبكل أسف، تقول الحاجة الزهرة، أصبحنا الآن نرى مختلف الأطعمة والفواكه مرمية في قمامة الجار، بينما جاره لم يجد ما يفطر به، ولا أحد يأبه لجاره. وكانت المرأة تمضي نصف يومها الأول من رمضان في نسج ''برنوس العيد لزوجها'' بينما الآن تمضي بعض النساء يومهن قبالة التلفزيون والفضائيات، ما ميعهن وجعلهن غير قادرات على العطاء وتحمل المسؤولية. كانت المرأة ''مقتصدة'' في بيتها وتتحكم في صرف المخزون من الأغذية بكل صرامة، ودون تبذير، بينما في وقتنا الشراء في رمضان يكون بتبذير كبير ويضطر الرجل للشراء يوميا، ما تترتب عنه ديون وتعب إضافي كان من الممكن تفاديهما''.