من أجل المسرح فقد سيراط ابنته المعاقة نوال وهو في المغرب حلقات من ''شعيب الخديم'' تعرّضت للرقابة من قبل المسؤولين سلمته قرطاج مفتاح المدينة دون قتال، وانحنت إجلالا أمام موهبته وأجلسته على عرشها، بمنحه جائزة أحسن دور رجالي في مسرحية ''الأجواد'' سنة .1985 هو سيراط بومدين أو ''ديدان'' كما يحلو للمقرّبين مناداته. عندما تستمع لأرملة سيراط تقول: ''كان في المغرب عندما توفيت نوال ابنته المعاقة التي كان يحبها لحد النخاع، ونفس السيناريو تكرر لدى وفاة والدته رحمهما الله''، تأخذ كلمة التضحية من أجل المسرح كل معناها. قصد الصحافة بميدالية قرطاج للحصول على شقة أظهرت لنا صورة ديدان وفي عمره 12 سنة، كتب عليها بخط يده: ''دخلت عالم المسرح الرائع''. عالم ساحر؟ تسكت أرملته برهة بعد أن وضعت أمامها كل شهادات تقدير المرحوم، من بينها واحدة تحمل إمضاء الشاذلي بن جديد وآخرين. قالت ومسحة من الحزن تعلو محياها: ''ليتحصل على الشقة التي أسكنها مع أولاده، اضطر لأخذ الميدالية التي تحصل عليها في قرطاج ويقصد الصحافة''. وواصلت بعد صمت: ''عند وفاته، ترك لي أجرة أوت و5 آلاف دج لشراء كبش العيد. ولولا أحد المحسنين المجهولين الذي خصص لي 8 آلاف دج شهرية لسنوات، لما استطعت الصمود''. وضعية جعلت ابنه رشيد، خليفته في المسرح، يقرر الهجرة والاستقرار في فرنسا، بعد أن قضى سنوات كمتعاقد بقصر الثقافة بوهران دون أن يتم ترسيمه. بعد اغتيال علولة ومجوبي كان يحس بالموت يحوم حوله تعج أزقة مدينة الباهية العتيقة كسوق الأوراس (لاباستي) والمدينةالجديدة والشوارع الرئيسية، بباعة الأقراص المضغوطة مقلدة لمطربين وأفلام و''سكاتشات'' قديمة وجديدة، وعادة ما تجد من بينها مسلسلات ''شعيب لخديم'' و''عايش بالهف''، آخر أعمال فقيد المسرح سيراط بومدين، تباع ب100دج للوحدة، من طرف شباب في مقتبل العمر. ولا داعي لإجهاد نفسك بمسائل حقوق المؤلف والتأليف وحقوق عائلة سيراط من المبيعات، لأننا في حكم اللاقانون. كما كشفت أرملة الفقيد ''أودعت ملفا كاملا لدى مصالح الديوان يحمل كل أعماله المسرحية والتلفزيونية والسينما منذ 5 سنوات، ولا زلت انتظر''. واستطردت قائلة:'' أنا لا أطالب إلا بحقوقي وحقوق أولادي، لأن 12 ألف دج كمنحة تقاعد لا تكفي''. تزامنت زيارتنا للعائلة بشقتها بحي ''إيسطو'' مع دعوتها من طرف بلدية وهران، لتكريمها بمناسبة اليوم الوطني للفنان: ''أسعى دائما لحضور التكريمات حفاظا على ذاكرة زوجي، وليبقى اسمه خالدا. الهدايا الرمزية التي أتلقاها ورغم قيمتها المعنوية التي لا تقدّر بثمن، إلا أنها لا تساعدني على إعالة أولادي، لكنني لا أملك الشجاعة الكافية للمطالبة بسكن لابنتي المتزوجة الساكنة معي، وولدي العاطل عن العمل، أو محل تجاري لأسترزق منه. وحتى قطعة الأرض ببلدية بوسفر التي حدثني عنها الراحل، اختفت بعد وفاته. وأود أن أشكر زوخ عبد القادر، والي المدية السابق، الذي كرّمني''. وأضافت ابنة المرحوم: ''عندما أرى مغنيي الراي يملكون فيلات وعقارات لا تعد ولا تحصى، أتساءل هل عائلة سيراط الذي بفضله أصبح لوهرانوالجزائر مكانا في خريطة المسرح بقرطاج وفي مهرجانات أجنبية عالمية، لا تستحق الاعتراف بالجميل؟''. وتأسفت أرملته يمينة لعدم إطلاق اسم الراحل على أحد المرافق الثقافية لمدينة الباهية: ''كم فرحت عندما سمعت أن مدرسة ابتدائية بعين البيضاء بالسانية تحمل اسم سيراط، لأنها مؤسسة لتربية الأجيال. لكن للأسف، لم تتم دعوتي للتدشين''. استعادت ذكرياتها الأخيرة مع المرحوم قبل وفاته بمستغانم في 20 أوت 1995 عن عمر يناهز 47 سنة، بعد سقوطه أثناء مشاركته في مهرجان المسرح الهاوي: ''بعد اغتيال علولة وعز الدين مجوبي من طرف الإرهابيين، كان يحس أن الموت تحوم حوله ويمنع عليّ فتح الباب، لأننا كنا نسكن في حي شعبي دون حماية، لكن قلما كان يبوح بما يختلج في صدره من مخاوف على عائلته الصغيرة. لكنه لم يفكر بتاتا في مغادرة الجزائر''. إلا أن القضاء والقدر أراد له أن يلتحق برفاقه علولة ومجوبي وابنته نوال ووالدته أشهرا قليلة بعد ذلك. وروت لنا معاناتها لإعداد الملف الطبي لابنته نوال، من أجل نقلها للعلاج في فرنسا، لتتوفى أشهرا بعد عودتها إلى أرض الوطن: ''كان المرحوم متعلقا بها وبالمسرح''. وتذكرت في هذا الصدد: ''كان المرحوم يقضي شهر رمضان في البيت، ويطبخ لأولاده، ويقدم لهم الأكل بيده، وكان متخصصا في تحضير أطباق الفراتان''. موهبة سيراط انتزعت اعتراف الممثلين المصريين كشفت أرملته لأول مرة أن ''عدة حلقات من مسلسله التلفزيوني ''شعيب الخديم'' من إخراج زكريا، تعرّضت للرقابة من طرف المسؤولين، بسبب انتقادها للنظام''. كما تفنن في سلسلته الفكاهية الساخرة ''عايش بالهف'' للمخرج محمد حويذق. وهي موهبة انتزعت اعتراف الممثلين المصريين عبد الله غيث وسميحة أيوب خلال مهرجان قرطاج، عن جدارة واستحقاق، حيث توّج بجائزة أحسن دور في مسرحية ''الأجواد'' لعبد القادر علولة، رفقة رفاق الدرب حشماوي فضيلة، يمينة غسول، غوتي عزري، بلقايد، حيمور، الطيب رمضان، زلال بلمقدم، خلادي محمد، بشير بوناب، عضمان فتحي وآخرين. كان لهذا الأخير ولبعد الرحمان كاكي فضل كبير في صقل موهبة سيراط بومدين، وولوجه عالم الفن الرابع سنة 1966 بعد استخلافه أحد الممثلين في مسرحية ''القراب والصالحين''، بعد أن كان يعمل كعون رقن بمسرح وهران. انطلقت مسيرة سيراط بأعمال ''إفريقيا قبل العام الأول''، ''كل واحد وحكمو''، ''لي كلا يخلص'' و''البلعوط''. كما أثمرت مقابلته لعلولة عدة مسرحيات بقيت عالقة في مخيلة جمهور المسرح بوهران ك''الخبزة''، ''العلق''، ''حمام ربي''، ''الأجواد'' و''التفاح''. ويحفظ جمهور المسرح بوهران عن ظهر قلب مقاطع لمسرحيات ''جلول الفهايمي'' و''المنور'' و''البلعوط'' و''الخجول''، لأنها تحاكي الواقع المعيش.. تذكرت أرملته تلك الأيام قائلة: ''كانت الطوابير لمشاهدة أعماله بمسرح وهران تمتد لغاية ساحة أول نوفمبر، في مشهد غير مألوف، خاصة في تلك السنوات المعروفة بظهور الحركات الإسلامية الراديكالية والمظاهرات في الشارع''. وفي خضم سنوات الانفتاح التي عرفتها الجزائر بداية التسعينيات، التحق سيراط بتعاونية 1 ماي لعلولة، وفي 1992 بفرقة القلعة بالجزائر العاصمة، رفقة صونيا ومحمد بن فطاف، وزياني شريف عياد، وعز الدين مجوبي، وقدموا مسرحية ''ألف تحية للمتشردة'' لمحمد ديب. قدم المرحوم عدة أعمال تلفزيونية في محطة وهران، ''عايش بالهف'' للمخرج محمد حويذق، و''شعيب لخديم'' من إخراج زكريا، وهي كوميديا اجتماعية ساخرة. وشارك في فيلم سينمائي ''تحت الرماد'' لعبد الكريم بابا عيسى سنة 1990، و''حسان نية'' لغوتي بن ددوش، و''الصورة'' لحاج رحيم سنة .1994 كما امتد نشاطه لخارج المسرح بتأسيسه جمعية ''المثلث الأخضر'' و''مقهى المسرح'' رفقة محمد بختي. وعندما سألت أرملته حول الفنان الذي نال إعجابه، أسرت: ''كان يقول بأن حكيم دكار سيذهب بعيدا في مساره الفني''.