ألف الروائي المصري الراحل خيري شلبي، أكثر من ثمانين كتابا، بين الرواية والنقد الأدبي. وكانت روايته ''وكالة عطية'' علامة بارزة في الرواية العربية الحديثة. كما يعدّ أحد روّاد الفنتازية التاريخية في الرواية العربية، وكتب متأثرا بتيار الواقعية السحرية، وهو حالة متفردة في القص العربي. ولد خيري شلبي سنة 1938 في قرية شباس عمير في محافظة كفر الشيخ، ثم انتقل إلى القاهرة لامتهان مهنة الصحافة التي غيّرت مجرى حياته، وجعلته عن منأى من حياة العوز والقسوة. بدأ مشواره الأدبي باحثا مسرحيا، ثم ألّف سنة 1969 كتاب ''محاكمة طه حسين.. تحقيق في قرار النيابة في كتاب الشعر الجاهلي''، ورصد وقائع محاكمة كتاب ''في الشعر الجاهلي'' سنة 1929 وما نتج عنها من انعكاسات سياسية وثقافية. يتحوّل الواقعي في أعماله إلى حركية تدب فيها الأسطورة، للتعبير عن واقع المهمشين والفلاحين في مصر. وكان هو نفسه كاتبا مهمّشا، إذ رفض مسايرة الفكر اليساري المنتشر في العالم العربي بين أوساط المثقفين، وظل متمسكا بالقضايا الإنسانية دون أن يضفي عليها طابعا ايديولوجيا، مثلما نجد في روايات مثل ''الشطار'' و''نعناع الجناين''. فكان شاهدا روائيا على تراجع واقع القرية المصرية وانحطاطها الطبقي في رواية ''الوتد'' و''صالح هيصة''. كما اهتم بالمدينة من ناحية الهامش، وفي عمقها وأسفلها، فالتفت لسكان المقابر في روايته ''منامات عم أحمد السماك''. وتعدّ رواية ''وكالة عطية''، التي اعتمدت على خيال خصب، وقدرة على إبداع عالم مدهش، وشخصيات هامشية، من أعمق ما كتبه خيري شلبي. ترصد الرواية مأساة مجموعة من المهمشين، بطريقة تذكرنا بأعمال الروائي الأمريكي ارسكاين كالدويل في رواية ''طريق التبغ''. وتتمحور أحداثها حول شخوص يبحثون عن مكان يأويهم في الليل، ليناموا نظير قرش واحد بوكالة قديمة في مدينة دمنهور. قديما، كانت الوكالة استراحة خديوية، أممت بعد الثورة، واستأجرها عطية من الحكومة، وتبدو أشبه بنزل لا يأوي سوى المهمشين، والمحتالين، والمعذبين، والمتسولين، والدراويش، والمنافقين، يصارعون من أجل البقاء في ظل نظام ناصري يقوم على العنف والقسوة.