لم تكن قرارات الثلاثية بردا وسلاما على النقابات المستقلة التي وصفت ما جرى فيها ب''المسرحية''، وأعلنت بعض منظمات أرباب العمل من جانبها، أن أغلبية المؤسسات في القطاع الخاص مهددة بالغلق وغير قادرة على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في لقاء الحكومة بالنقابة والباترونا، وهو ما يعني أن قرار رفع الحد الأدنى للأجر من 15 إلى 18 ألف دينار سيبقى حبرا على ورق رغم طابعه الإلزامي، ورغم ما منحته الحكومة من ''تحفيزات'' لفائدة تنشيط الاستثمار في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. النقابات المستقلة قالت إنها مستعدة لتشكيل مركزية نقابية لدحض الادعاءات التي تمنعها من المشاركة كشريك في الثلاثية، لكنها رمت بحبل المسؤولية في ساحة وزارة العمل التي تمنع اعتمادها. وبين غرق الحكومة في حساب عدد أصفار عجز موازنة الدولة، وبين تمسك الشركاء الاجتماعيين ب''طلب المزيد''، تفضل السلطة مواصلة سياسة ''الترقيع'' في التعاطي مع قضايا الأجور والقدرة الشرائية وعدم السعي لتحقيق الحلول الدائمة.
أكدت أن اتحاد العمال هو جزء من الحكومة نقابات الصحة تصف الثلاثية ب''المسرحية'' وتستنكر عدم مشاورتها استهجنت النقابات المستقلة التابعة لقطاع الصحة ظروف انعقاد الثلاثية الأخيرة والنتائج التي أسفرت عنها؛ لإقصائها من المشاركة في مثل هذه اللقاءات المصيرية وتزامنا مع الضغط الممارس عليها ورفض منحها الاعتماد لتأسيس كنفدرالية مع باقي النقابات المستقلة. وصف رئيس النقابة الوطنية لأخصائيي الصحة العمومية، محمد يوسفي، الثلاثية ب''اللاحدث'' طالما تم إقصاء النقابات المستقلة التي أصبحت تمثل العمال أكثر من الاتحاد العام للعمال الجزائريين لأن ما جرى نهاية الأسبوع هو ''حوار حكومي-حكومي'' طالما أن اتحاد العمال أصبح جزءا من الحكومة بسبب ممثليه، وأردف بالقول ''مع احترامي للاتحاد العام للعمال الجزائريين كهيئة لها قوانينها، إلا أنه بممثليه الحاليين أصبح مثل رجل المطافئ''، حيث تستخدمه الحكومة للظهور أمام الملأ في الوقت الذي تحتقر الممثلين الحقيقيين للعمال، وحول تهميشهم في مثل هذه المواعيد، عاد يوسفي إلى مشروع الكنفدرالية الذي سبق وتقدمت به عدد من النقابات المستقلة في عدة قطاعات، لكنه اليوم حبيس أدراج وزارة العمل التي ترفض الترخيص لهم، رغم أن آخر ملف أودع كان سنة 2008 وضم 14 نقابة تمثل مختلف القطاعات. وبالعودة إلى نتائج الثلاثية، ذكر يوسفي أنها كانت منتظرة، والزيادة المقدمة لن يستفيد منها معظم العمال، في الوقت الذي تأسف لعدم تخفيض الضريبة على دخل الموظفين رغم أنها تسحب من أجورهم أكثر من التجار وأصحاب المؤسسات، وهي نتائج لا تعكس حسبه التعليمات التي قدمها رئيس الجمهورية في ماي الماضي، وهو ما ذهب إليه رئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية الياس مرابط، الذي ذكر أن الرئيس بوتفليقة دعا إلى إعادة النظر في الحوار مع الشركاء. ونظمت جلسات مشاورات، إلا أن الواقع لا يعكس ذلك بسبب أحادية الرأي وتهميش النقابات المستقلة، وهو ما من شأنه توسيع الهوة بين الحكومة والعمال واستمرار ''الغليان'' في مختلف القطاعات، ونوه إلى أن الرابح الأكبر في هذه الثلاثية هم أرباب العمل، فيما ''الموظف مازال يدفع ضرائب على أجرته قبل تسلمها''، ولم تتمكن كل الثلاثيات من تحقيق مطالب العمال في الظفر بأجر يغطي متطلباتهم اليومية دون تذمر، وهي النقطة التي وقف عندها رئيس نقابة النفسانيين، خالد كداد، الذي أكد أن العمال كانوا ينتظرون تخفيضها ب5 آلاف دينار كأقل تقدير، ووصف الثلاثية بالمسرحية التي عرضت فيها الحكومة مشاهد للإعلام ليس إلا بديكور وضع اتحاد العمال في موقف محرج أمام النقابات، في الوقت الذي تأسف للتهميش الذي طال المتقاعدين الذين علقوا آمال كبيرة على الثلاثية.
رئيس كنفدرالية الصناعيين والمنتجين ل''الخبر'' ''مؤسسات خاصة لا تتحمل أعباء الزيادات وسيكون مآلها الغلق'' أجمع العديد من ممثلي منظمات أرباب العمل على أن آلاف المؤسسات الوطنية الخاصة سوف لن تكون في الموعد المقرر للانطلاق في اعتماد الزيادة الجديدة والمتضمنة الرفع من الأجر القاعدي بقيمة 3 آلاف دينار ابتداء من جانفي المقبل، مرجعين ذلك إلى المشاكل المالية التي تتخبط فيها أغلبية هذه المؤسسات. وأوضح رئيس كنفدرالية المنتجين والصناعيين الجزائريين، عبد العزيز مهني في تصريح ل''الخبر''، أنه رغم أن الثلاثية الأخيرة تبقى ''من أنجح الثلاثيات التي حضرها منذ سنة ,1998 إلا أن هناك بعض المؤسسات الخاصة التي ستتعقد مشاكلها المالية، حيث لا تستطيع تحمل أعباء الزيادة في الأجور، ما سينجر عنه غلق آلاف المؤسسات الوطنية''. في نفس الإطار، أضاف عبد العزيز مهني، بأن الأمر سيتعلق بالمؤسسات الخاصة التي لم تستفد من عمليات إعادة جدولة الديون المقررة في ثلاثية ماي الفارط، إلى جانب مسح الفوائد المتراكمة، بسبب القرار المعتمد من طرف البنوك، الذي اختصر الاستفادة من هذا الإجراء على بعض الشركات فقط بدراسة حالة بحالة وعدم تعميمها على جميع المؤسسات التي تعاني مشاكل مالية، والتي ستجد نفسها مضطرة إلى غلق أبوابها، وبالتالي ضياع الآلاف من مناصب العمل. في نفس السياق، دعا رئيس كنفدرالية المنتجين والصناعيين الجزائريين إلى تدخل رئيس الجمهورية لإنقاذ النسيج الصناعي الوطني الذي تتوفر عليه الجزائر منذ الاستقلال، والذي لا يزال في مرحلة ''إنعاش''. فبالنسبة لعبد العزيز مهني فإن النهوض بالمؤسسات الوطنية المتوقفة عن النشاط، سيكون أقل تكلفة من الاستثمارات التي دعا إليها الوزير الأول، والتي تستعد البنوك لمنح أصحابها قروضا تتراوح بين 100 إلى 500 مليار دينار. من جهة أخرى، أكد ذات المسؤول بأن نجاح الثلاثية الأخيرة جاء في تميزها باعتماد مستوى هام من الزيادة في الأجور، والتكفل بملف المتقاعدين، إلى جانب بعض القرارات التي تخص القطاع الاقتصادي، والذي ينتظر تطبيقها على أرض الواقع. على صعيد آخر، أكد رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، رضا حمياني في تصريح ل''الخبر''، بأن الثلاثية الأخيرة قد حققت نجاحا سيكون مؤشرا إيجابيا للنهوض بالمؤسسات الوطنية، مشيرا إلى أن الحكومة قد أخذت بعين الاعتبار جميع المشاكل التي تشكل عائقا أمام تطور الشركات الوطنية الخاصة. في نفس الإطار، أوضح أن الحكومة قد وافقت على جميع المقترحات المقدرة بحوالي 200 مقترح، والتي جاءت بها اللجان المنصبة عقب ثلاثية ماي الماضي. وبالنسبة لتطبيق الزيادة في الأجر القاعدي، اعترف رضا حمياني بأنها مبررة مقارنة بارتفاع الأسعار، مشيرا إلى أن هناك البعض من المؤسسات ستعرف مشاكل عديدة لتحمل أعباء هذه الزيادات، خاصة في بعض القطاعات مثل صناعة الخشب والأحذية والأثاث. وأضاف رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، أن النجاح الفعلي لثلاثية الخميس الفارط، يكمن في تطبيق القرارات المتخذة على مستوى الإدارات، موضحا بأن أهم قرار يخص المؤسسات الخاصة هو ذلك المتعلق بإعادة جدولة ديونها.
نقابة عمال البلديات أكدت أن نتائجها أكبر إهانة للموظفين الثلاثية فشلت في رفع الغبن الاجتماعي دعت نقابة عمال البلديات كل التنظيمات المستقلة إلى تكتل عاجل للوقوف في وجه كل الثلاثيات التي ستعقد مستقبلا، بسبب النتائج المخيبة التي أسفر عنها اللقاء الأخير، حيث لم تخدم العامل البسيط لا من قريب ولا من بعيد. واعتبر رئيس النقابة، علي يحي، في تصريح ل''الخبر'' أن اللقاء الأخير كان مبرمجا مسبقا، وخدم الأطراف التي حضرته فحسب، لكنه في المقابل قدم أكبر إهانة للعمال الذين يعلقون على كل ثلاثية آمالهم للخروج من نفق ''الغبن الاجتماعي'' الذي يتربص بهم بسبب الأجور الزهيدة التي أصبحت لا تلبي حاجياتهم اليومية، وواصل بالقول إن الزيادة الأخيرة لا معنى لها، وكان يمكن أن يكون لها أثر إيجابي لو أن هذه الزيادة وإن قلت قيمتها تبعها تخفيض في الضريبة على الدخل، التي انتظر عمال الوظيف العمومي تخفيضها ولو بنسبة قليلة، وهو ما لم تضعه الحكومة في جدول أعمالها، بل راحت -حسبه- تعطي الامتيازات واحدة تلوى أخرى لأرباب العمل، وبتزكية من اتحاد العمال الذي لم يعد يمثل العمال، والدليل هو التفاف هؤلاء بالنقابات المستقلة لقدرتها على التجنيد لإنجاح الإضرابات التي تشن في مختلف القطاعات. وذكر المتحدث أن الحكومة تتعمد في كل مرة إقصاء النقابات المستقلة لأنها أصبحت تقدم المطالب الحقيقية للعمال وليس شكليات تظهر بها أمام وسائل الإعلام.
الحد الأدنى للأجر في الجزائر أكثر من المغرب وأقل من لبنان رغم قرار الثلاثية الأخير بالزيادة في الحد الأدنى للأجر إلى حدود 18 ألف دينار (243 دولار) ابتداء من أول جانفي المقبل، إلا أنه لا يزال ضعيفا، حيث لا يختلف عن الحد الأدنى للأجر في المغرب سوى ب20 دولارا (223 دولار)، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى للأجر المعمول به في لبنان الذي يتجاوز 333 دولار، رغم أن لا المغرب ولا لبنان هو دولة بترولية. ويبقى الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون مع هذه الزيادة ب3000 دينار، غير بعيد كثيرا عما هو موجود في تونس التي يقدر بها الحد الأدنى للأجر ب151 دولار، وفي الأردن ب154 دولار، وفي سوريا 118 دولار، ولا يساوي سوى أقل من مرتين عما هو موجود في موريتانيا (77 دولار). ولا مجال لمقارنته مع الجارة ليبيا (404 دولار) أو مع الدول الأوروبية إذا استثنينا الدول الشرقية منها مثل رومانيا التي يقدر بها الحد الأدنى للأجر 155 دولار، ولتوانيا 234 دولار، وليتونيا ,237 حيث يصل الحد الأدنى في فرنسا 1073 أورو، وفي البرتغال 639 دولار، وفي إسبانيا 906 دولار، وفي اليونان 909 دولار.